نوف بنت مبارك

يندر في هذا الزمان أن ندخل بيتا من بيوت المسلمين ولا نجد احد أفراده قد أتم دراسته الجامعية كحد أدنى هذا ان لم يتجاوزها للمراحل العليا.. و كم يثلج الصدر هذا التوجه نحو طلب العلم والتنافس للنيل من حوضه في الداخل والخارج. و لكن، لما لا نرى ثمار هذا العلم في أخلاق المسلمين وتعاملاتهم! أين ذهبت تلك السنون وكل ما رافقها من جهد ووقت ومال.. لقد كنّا كمثل أهل الحي الذين تغاضوا عن أصوات الحفر والمطارق، حينما رأوا مواد البناء تملأ الجوار وعلا المكان بالضجيج وذرات الغبار وانتظروا ذلك النهار الذي ينعمون فيه ببناء مفيد.. وظل ظليل وخير وفير!! ولكن البناء لم يرتفع عن الارض أنملة.. وانتهى المشروع قبل أن يبدأ!!

تتتنوع الحوارات وتتفاوت العقول وترتقي الأفكار وقد تتفق او تتعارض التوجهات لكن وبكلمة واحدة او حتى بنظرة خاطفة، تهوي ساقطة كل المعاني الجميلة والأقنعة الزاهية! وبغض النظر عن اي جهة تنتمي او بأي قناعة تؤمن، ستجد من يخالفك ويرى فيك الضد لذاته. ولن يعجز او يتردد في اختيار مفردة تصف هذا الاختلاف في أمقت صورِه عوضاً عن استشعار التكامل في هذا التباين. أكبر أو أصغر، أبيض أو أسمر، شمالي أو جنوبي، شرقي أو غربي، سني أو شيعي، سعودي أو مقيم وما يلحقها من تفحيص وتمحيص لأصول الأهل وسلالات الأجداد وشيوخ المذاهب التي تتبعها او علماء الدين الذين تستمع لهم ليكيل بكرم طائّي من كلمات وإيحاءات العنصرية البغيضة والتمييز الكريهة!

تدور عجلة الأيام، و يتبدل الحال صعوداً و هبوطاً ما بين سعادة و حزن، إنجاز و إخفاق، فرح و ترح! و مع تبدلها يتفاوت حال الانسان في التعاطي معها، و التأقلم مع المستجدات مثلما يتفاوت كل البشر في تعاملهم مع مختلف المواقف! و لكن جميعهم يتفق في رغبته بالخروج من تجاربه السعيدة و الحزينة بأعلى المكاسب و أقل الخسائر و ذلك بالتعامل معها بايجابية! و قد كثُر الحديث و تنوعت الدورات و طُبعت مختلف الكتب و المقالات بعدة لغات و توجهات من أجل بناء مهارات التعامل الإيجابية. بعضها يُعطي نصائح عامة للتعامل مع المواقف و الأشخاص، و بعضها يُركز على تفاصيل أدق لحالات مخصصة. و لا شك أن البعض قد تمكن بفضلها من بناء بعض المهارات التي تُخفف وطئة بعض المواقف السيئة أو تأثير بعض الشخصيات المحبطة. و بتفحص مختلف هذه المهارات فإنها تتلاقى في قناعات رئيسية تُعتبر من أساسيات تربية النفس الاسلامية، 

قرار يتبعه رحلة! وليست اي رحلة! انها عمر يمضي وصفحات تطوى! ويتفاوت الجميع في حماسهم واستعداداتهم ودأبهم وبالتالي نتائجهم. منهم شخصيات تحاول جاهدة التماسك في ظل المسافات والاختلافات التي تواجهها خلال تنقلها بين بيئات جديدة وبراقة، ولكن صلابتها أقل من غيرها. لا تلام لطبيعتها ولكن لا بد لها من بذل بعض الجهد لتغيير بعض خصائصها لتتطور وتصبح معادن صلبة، نادرة ونفيسة! ولكن بتخبطها جيئة وذهابا، تركت انطباعاً مشوشاً عن بلدها ودينها، افسدته عند من ينظر اليهم كنموذج لطالب سعودي عربي مسلم، وكانت في بعض حالاتها كالزئبق حين يلمس معدن الذهب ويفسد رونقه!

سعوديون في أمريكا - نوف بنت مبارك 

يسمو الطموح و يتعالى،، و تتعاظم الأهداف و ترتقي الآمال بمجرد اتخاذ القرار بمتابعة الدراسة في دولة متقدّمة و بغض النظر عن تفاصيل الأهداف بعد التخرج، إلا أن ما يجمعهم هو العودة بعلم يُفيدهم و يفيد بلادهم !! و بدأت رحلة بعض الطلاب و انتهت،، تَرَكُوا خلالها أهلاً و وطناً و تحملوا أعباء غربة موجعة،، قاوموا ضغوطاً مالية و معنوية،، و عادوا بورقة تُوثق هذا الجانب المُضيء من حياتهم - في حال أخذوه

بالجدية المتوقعة منهم- و قد مضت من أعمارهم سنون،، ولكن للأسف أراها عجاف،،