الكاتبة : نوف بنت مبارك*
تجرأت إحداهن وكسرت قيود الخوف وفزاعة الفضيحة وشبح العار لتتحدث عن معاناتها مع أحد المعاقين أخلاقياً والمشوهين فطرياً باستغلال سلطاتهم للسطو على أجساد غيرهم في أماكن العمل بالتحرش الجنسي بمختلف اشكاله. وكانت شجاعتها في الدفاع عن نفسها وقوداً دافعاً للكثيرات غيرها للتتحدث عن معاناة مماثلة ضد هذا الشخص وغيره. و حمي وطيس التفاعل مع هذا الوباء الاخلاقي الذي لا تقبله الفطرة السوية ولا يغفره دين او ملة، وانطلقت منصات التواصل الاجتماعي بحراك إيجابي لدعم الضحايا وفضح المعتدين وتعريتهم كعقاب اجتماعي.
حتى تعرضت لقراءة عدد كبير من القصص المؤلمة عن ضحايا التحرش الجنسي والإغتصاب في بلدي من خلال احد هذه المنصات، والمرعب أن غالبيتهم تعرضوا للإعتداء داخل منازلهم ومن أقرب الأشخاص الذين يفترض بهم أن يكونوا الملجأ والمأمن.
ومازاد الألم وحطم القلب أن يواجه معظم هؤلاء الضحايا الذين وجدوا في أنفسهم القدرة على التبليغ عن الحادث لأحد الوالدين أو كلاهما، سيلاً من التكذيب والرفض بل وامتد إلى حد اللوم من والديهم على وقوع الحادث وكأنهن هُن الجانيات ولسن ضحايا. ضحايا يحتجن إلى دعموعلاج والكثير من التأكيد بأنهم لا يستحقوا ما تعرضوا له حتى لا يفقدوا أنفسهم في نفق الحزن والإشمئزاز ولوم الذات بسبب هذه التجربة وما يتبعها من آلام.
ولكل ضحية أقول:
“أصدقك في كل كلمة قلتيها، من المؤكد أن بوحك بهذا الموضوع إحتاج منك الكثير من الشجاعة والقوة لتتمكني من الثقة بِنَا وتصرحي عن تجربتك القاسية للعلن” إنه من الصعب للغاية على ضحايا التحرش الجنسي أو الإغتصاب أن تجد القوة والشجاعةلمشاركة قصتها مع المحيطين. هناك الكثيرات ممن يغلبها الخجل بسبب تعامل الوالدين والمجتمع مع الثقافة الجنسية بمختلف مواضيعها بخجل! أو يمنعها القلق من الشعور بإحساس الْخِزْي بسبب نظرة الآخرين لها و تحميلها اللوم لما حدث وبقين لوحدهن في هذه المِحنة.
فما بالك حين تواجه الضحية بأعنف رفض لقصتها من أقرب المقربين وتُتهم بالكذب. حيث يتم تفسير هدوء الضحية وقت الإبلاغ عن الحادث بأن الحدث لم يحدث وأنها قصة لجلب الإنتباه أو من باب الإفتراء، وينسى المحيطين أن الجميع مختلف في طريقة استجابته واستيعابهللأحداث الصادمة، وكثير من الفتيات قد تتجمد تماماً وقت الحدث كنوع من الإستجابة للصدمة، تليها حالة من تباطؤ حركتها وحديثها قد تفسر بأنها لم تتعرض لأي حادث حين تبلغ بهدوء شديد. كل ما تحتاجه الضحية الثقة بها، فيكفيها ما تعرضت له.
ولكل ضحية أُأكد لها:
“انها ليست غلطتك. وليس لك أي ذنب في ما حدث و لم تفعلي أي شيء يستحق ذلك “
قد تلوم الناجية نفسها، خاصة إذا كان المعتدي شخص معروف لها، أو بسبب ثقافة المجتمع في تحميل الأنثى اللوم على سوء أخلاق المحيطين بها. وقد تلوم الضحية نفسها لتجد متنفساً لغضبها و حتى تستطيع الاستمرار في الحياة.
لمن لامت نفسها على مظهرها، تذكري أن الله أعطاك الحق في إظهار زينتك لمحارمك “وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَالرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ” النور ٣١
ولمن لامت نفسها على وجودها في ذات المكان والزمان مع ذلك المعتدي، فتذكري أن الجاني له حرية الحركة أكثر منك.
ومهما أختلفت الأسباب .. أكرر لك ” أنت لست مسئولة بأي حال على ما حدث”
“أنت ضحية”
ولتطمئن كل ضحية: “أنت لست وحيدة، الإنسانية مازالت تنبض بداخل الكثيرين الذين يؤلمهم جداً ما تعرضت له. نحن نهتم بك، ونحن هنا للإستماع و المساعدة بأي شكل من الأشكال الممكنة”
لا تترددي بمشاركة قصتك أحد الأشخاص الموثوقين حولك إن كان هذا يبعث على بعض الراحة، فبعض الأشخاص يجدون الراحة في مشاركة آلامهم، ونحن تَأَلمنا لقراءة قصتك و يهمنا أمرك. ونتمنى أن تنتهي هذه الحقبة من الغثاء الأخلاقي، وأن تجد كل ضحية حقها المسلوب فيمواجهة الجاني وأن تستعيد حقها الإنساني والشرعي والقانوني في الدفاع عن نفسها وردع الحيوانات البشرية.
لاتتركي نفسك الطاهرة لتواجه أحزانها وحيدة منغمسة في مشاعر الإشمئزاز والحزن، واسمحي لها بالاعتراف بألمها والبكاء.
ولا تنسي أن المعالج النفسي شخص قادر على دعمك ومساعدتك لتجاوز هذه المرحلة والإعتناء بذاتك للتشافي من آلامك اتباعاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم: تداووا عُبَّاد الله فما انزل الله داءً إلا وأنزل له دواء.
وبكل حب أهمس لك: ابحثي عن أحدهم. ولا تهتمي لرأي أي شخص كان.
وأخيراً..
“أنا جداً آسفة لما حدث لك. أنت بحق لا تستحقين أن تتعرضي لكل هذا الألم “.
لا يختلف شخصان يحملان بداخلهم ذرة من الإنسانية على أن هذه التجربة الشنيعة قد أثرت على حياتك. ومن المؤكّد أنها كانت صعبةً للغاية بالنسبة لك. هذا الظلم يجب أن ينتهي وآن للظلام أن ينقشع. إهتمي بنفسك واستردي قوتك. وقريباً سنجد طريقنا نحو معاقبة كل ظالم تجرأعلى إرهابك وحمّلك خطأ حيوانيته.
“شكراً لثقتك بِنَا ولمشاركتنا تجربتك المؤلمة”.
والشكر موصول لكل من ساهم في إتاحته الفرصة لهؤلاء الضحايا بمشاركة قصصهم لعل أن تصلهم مشاعر الاهتمام التي افتقدوها من المحيطين بهم فتنتعش أرواحهم وترتاح خواطرهم ويسمح لي ولغيري بأن نشاركهم همهم ونجتهد بدعمهم كلٌ حسب قدرته وإمكانياته. وفِي ذاتالوقت، يتسلط الضوء على روايات مدفونة تحت ركام تخوين المرأة وشبح الخوف من الفضيحة.
** خاص لسعوديين في أمريكا