الابتعاث أهم تجربة يعيشها الإنسان

الحقيقة أنه ليس هناك أي أهداف غير معلنة، فالابتعاث مشروع وطني متكامل أهدافه أوسع من أن تقتصر على التحصيل العلمي ليساهم المتخرجون منه في تنمية وطنهم وتطوير مجتمعهم. ويهدف الابتعاث لمنح الشباب فرصة لعيش نمط حياة جديد كلياً، ليس تغريبًا بل تغييرًا.

ما تحدث عنه الإمام الشافعي في أبياته الشهيرة "تغرّب عن الأوطان في طلب العُلى وسافر ففي الأسفار خمس فوائد، تفريج هم واكتساب معيشة وعِلم وآدابٌ وصحبة ماجدِ" هو الابتعاث بعينه فالشافعي - يرحمه الله - لم يقف في توصيفه للسفر عند التحصيل العلمي أو اكتساب المعيشة، بل أشارَ للآداب والصحبة. قد تكون تجربة الابتعاث أهم تجربةٍ يعيشها الإنسان فهي فريدة ومتنوعة وحتماً ليست بالسهلة. فخلال البعثة يتعرف الشاب على نمط جديد للحياة ويعيش تغييرات على كافة المستويات، هي مرحلة يتشكل فيها فكر الشاب وسلوكه.

إن التغير الفكري والسلوكي لا يحدث تلقائياً بمجرد السفر لبلاد جديدة بل هو مرهون برغبة الفرد، فهناك من المبتعثين من ينكفئ على نفسه ويقاوم التغيير مقاومةً شديدة، وهناك من ينجرف مع المجتمع الجديد وينسلخ من قيمه ومبادئه ويتمرد على كل ماله صلةً بها؛ وهناك من يتغير فكرياً كنتيجة للتجربة والمعايشة والانفتاح على ثقافات جديدة وأفكار لم تكن متاحة في بلد نشأته. لذلك قال الشافعي في أبياتٍ أخرى "سافر تجد عِوضاً عمن تفارقه، وانصب فإن لذيذ العيش في النصبِ، إني رأيت وقوف الماء يُفسدُه إن سال طاب وإن لم يجرِ لم يطِبِ".

التغيير حاجة بدونها لا يمكننا البقاء والاستمرار وتغير الفكر أهم أشكال التغيير فمن الداخل يبدأ عقلك بالتغير؛ كما قال جلال الدين الرومي "بالأمس كُنت ذكياً فأردت تغيير العالم واليوم أنا حكيم ولذلك سأغيّر نفسي". الابتعاث رحلة التغيير فعلاً فاغتنمها وتغيّر.