رحلتي في الدكتوراه (الجزء الأول)

الدكتوراه امتداد للماجستير

هذا تصور خاطئ يقع فيه الكثير حيث يظن كما أن الماجستير هو امتداد للبكالوريوس، فإن الدكتوراه امتداد للماجستير. ستكتشف خطأ هذا التصور في أول شهر لك بالدكتوراه !!! بالنسبة لي كان الماجستير أسهل من البكالوريوس ولكن الدكتوراه مرحلة مختلفه تماما عن كل ما سبقها من عدة نواحي:

١- المنهج مختلف بشكل كبير، حيث في الغالب لا يوجد كتب دراسية ولكن عبارة عن أبحاث تقوم بدراستها ومناقشتها وتحليلها

٢- ستقوم بدراسة العديد من النظريات المعقده وستقوم بتفكيكها لقطع صغيره حتى تفهم كيف تم بناءها، وهذا أمر مهم لتمكينك من احتمالية تطويرها مستقبلاً

٣- نوعية الطلبة في الدكتوراه تعتبر ممتازه جداً، وهذا يعتبر تحدي من جهة و فائدة من جهة أخرى. تحدي لأنك يجب أن تصل لمتوسط مستوى الطلبة كحد أدنى، و من ثم تفكر بطرق لتتفوق عليهم. وهي بنفس الوقت فائدة كبيرة جداً لأنك راح تحتك مع طلبة متميزين وهذا راح يخلق طرق تعاون بينكم و راح يطور من مستواك

٤- توقعات الدكاتره اتجاه طلبة الدكتوراه مختلفة تماماً عن طلبة الماجستير. طالب الدكتوراه ينظر له كشخص يتوقع أن يكون زميل مهنه عما قريب و بذلك يجب أن يكون في المستوى اللائق علمياً و أخلاقياً لهذا المركز. كل مناقشاتك وواجباتك والمشاريع البحثية التي تقدمها يجب أن تكون على مستوى عالي. وجميع طلاب الدكتوراه متفرغين للدراسه فقط ولا يعملون في مهن أخرى وذلك على الأقل في السنتين الأولى وهذا مختلف عن المراحل الأخرى.

الدكتوراه عبارة عن وظيفة

هذا تصور غير صحيح، فالدكتوراه ليست وظيفة تذهب لها من يوم الاثنين الى يوم الجمعة، ومن الساعه ٩ صباحاً و حتى ٥ مساءً. في السنتين الأولى بالذات ستأخذ الدكتوراه كل وقتك تقريبا، و في الغالب أنك راح تدرس مساء يومي الجمعة والسبت، في وقت غيرك طالع ينبسط ويستانس، هذا فيه تحدي اراده وانضباط.

هناك خطه مرسومه و جدول زمني لهذه الرحلة

أصعب سؤال ممكن تسأله طالب دكتوراه هو “متى بتخلص؟ أو كم باقي لك؟ ” أقولك من الآن ترى في الغالب ما يعرف، و إن أعطاك رقم فما هو إلا توقع. مرحلة البحث العلمي ليس لها جدول زمني و فيها تعرجات و مفاجآت غير متوقعه، فكن مستعد !!

نصيحة مهمه جداً

قبل أن تبدأ في الدكتوراه تأكد إنك ترغب فيها و إذا تأكدت فأنصحك تتأكد مره ثانيه. الرحلة شاقه وستمتحن صبرك وإرادتك و “رغبتك” ألف مره. يجب أن تكون لديك رغبة جامحة للحصول على الشهادة و سبب قوي يكون وقود لك خلال هذه الرحلة. هناك مقوله جميلة  If the why is powerful, the how is easyتأكد أن تكون ” why” الخاصة بك ثابته و قويه، وإن لم يكن كذلك  فأجّل قرار البدأ حتى تتأكد. هاذي قد تكون أهم نقطة في المقال كله !!

إذا قرأت كل تلك التحذيرات السابقة و السلبية و ما يزال لديك رغبة في خوض التجربة وإكمال القراءة، فأهلا وسهلاً فأنت من أريد و أنت من أبحث عنه. من متطلبات الرحلة أن يكون لديك قدرة على تجاوز السلبية و المحافظة على الايجابية

قبل أن أبدأ بوضع الخطوط العريضة لهذه الرحلة، أحب أقولك أن الرحلة تستحق كل التعب اللي فيها من وجهة نظري. ستتغير كثيراً، ستنمو فكرياً، ستسقل شخصيتك، ستنضج بشكل متسارع، باختصار لن تكون نفس الشخص الذي بدأ… شيء رائع!

الجيمات و الجي آر اي

سأفترض هنا أن متطلب اللغة (ايلتس أو توفل) موجود عندك، لأنك في الغالب تكون استوفيت هذا المتطلب بحصولك على الماجستير في جامعة تدرّس باللغة الانجليزية.

يعتبر هذا المتطلب هو التحدي الأول و الأصعب للمتقدمين لبرامج الدكتوراه في أمريكا. في حقل الماليه الحد الأدنى تقريباً هو ٦٥٠ في الجيمات أو ما يوازيها في الجي آر ايه، ارتفاع الدرجة المطلوبة مقارنة بالتخصصات الأخرى يعتمد على عنصرين أساسيين (١) صعوبة الدراسة واعتمادها بشكل كبير على الماث (٢) ارتفاع عدد المتقدمين لهذا التخصص بحكم ارتفاع رواتبهم بعد التخرج (متوسط ٦٥٠ ألف ريال سعودي سنويا لمركز أستاذ جامعي في أمريكا أو ما يعادل ١٧٥ ألف دولار)

شخصياً قمت بالتحضير للجيمات وليس الجي آر ايه لأن الجيمات هو الأكثر قبولاً لدى الجامعات في التخصصات الادارية. قمت بالتحضير للجيمات على مرحلتين مستقلتين، الأولى كانت قبل الماجستير وكان هدفي أن أحصل على ٥٥٠، أما الثانية فكانت بعد الماجستير وكان هدفي الحصول على ٦٥٠ أو شيء قريب منها. هنا سأركزعلى على المرحلة الثانية

قمت بالانضمام لمعهد كابلن في بوسطن للتحضير للاختبار، للأمانه كان المعهد جيد و المنهج المقدم من قبلهم مقبول ولكن لم يكن كافياً أبداً. من وجهة نظري التحضير للجيمات يعتمد بشكل كبير جداً على self study ، كتب كابلن كانت جيدة ولكن تفتقر لتكنيكات short cutsفي حل الأسئلة واللي تحتاجها بشكل كبير خاصة إذا كان ما ودك تغلط في أسئلة كثيرة. فقمت بالاعتماد على كتب مانهاتن وهي عباره عن عشر كتب و هي من وجهة نظري الأفضل لمن يريد درجة عالية.

دراستي للجيمات كانت منقسمه لجزئين رئيسيين الأول هو مذاكرة المنهج (استغرقت حدود شهرين) والثانية هو التدرب على الاختبار (تقريبا شهر و نص). موضوع التحضير للاختبار يعتبر متشعب جدا وقد يحتاج مني لتدوينه مستقله (إن شاء الله أجد وقت أكتب عنها لاحقاً) ولكن بعطيك أهم النقاط العامة اللي استفدت منها:

١- قمت بتغطية المنهج كاملاً و حفظ القواعد الرياضية عن ظهر غيب (عندك أقل من دقيقتين للإجابة عن كل سؤال فلازم يصيرون حاضرين في ذهنك). ستواجه صعوبة كبيرة في القسم اللغوي من الاختبار، عن نفسي كنت أحفظ تقريبا ١٠٠ كلمة يومياً و أحاول أضعهم في جمل (كتابةً). كذلك كنت أضع الكلمات في index cards  و أنقلهم معي في كل مكان. للمعلومية معظم الكلمات اللي في الجيمات أو في الجي آراي كلمات انجليزيه قديمة وغير مستخدمه إطلاقاً، فغالباً ما راح تشوفهم أو تسمعهم في حياتك بعد ما تتنتهي من الاختبار (إحباط صح ؟؟ بس عادي حققت الهدف اللي تبغاه منهم). كذلك حفظ الكلمات يساعد على تقوية ذاكرتك بشكل عام، وهذه تعتبر فائدة جانبية

٢- ضع خطة للدراسة وتاريخ لإنهاء كل جزء من المنهج، وضع تاريخ مبدأي لأخذ الاختبار. فرّغ آخر شهر قبل الاختبار للتدريب فقط

٣- دراسة الجيمات ممله صراحةً، فحاول تلقى أشخاص يذاكرون معك، راح يزداد حماسك بشكل كبير. أو ذاكر في المكتبة حتى تتحمس من المحيط اللي حولك

٤- النجاح في الاختبار يعتمد على التمكن من ثلاث عناصر:

·        Knowledge

·        Time management during the exam

·        Managing stress during the exam and sleeping well the night before the exam

٥- لا تدخل الاختبار قبل إنك تبدأ تحصل على درجات قريبه من الدرجة اللي تبغاها أثناء التدريب

٦- قبل الإختبار بعشر أيام بدأت يومياً آخذ إختبارين تجريبين كاملين (٨ ساعات) ورا بعض دون توقف حتى أرفع مستوى لياقتي الذهنيه بشكل كبير جدا و حتى يكون أخذ اختبار واحد أمر سهل لاحقاً (كان تدريب مرهق بس للأمانه نفعني كثير بيوم الاختبار)

توصيات الدكاتره

في الغالب أن المطلوب هو ثلاث توصيات يقومون الدكاتره بإرسالها مباشره للجامعات اللي أنت قدمت عليها دون أن تحصل على فرصة الإطلاع عليها مسبقاً (تعتبر سرية في كثير من الجامعات). من الأفضل إنك تحصل عليهم من دكاتره درّسوك في مرحلة الماجستير بحكم إنها المرحلة الأخيرة في مسيرتك التعليميه وكذلك تعكس إلى حد ما قدرتك في الدراسة خارج بلدك. وكذلك حتى أكون صريح، التوصيات من جامعات خارج أمريكا مصداقيتها ووزنها أقل عند أغلب الجامعات (هذا الواقع للأسف).

قم باختيار الدكاتره اللي راح يكتبون لك التوصيات بعناية (recommenders) واحرص على أمرين (١) دكتور تكون سمعتك وعلاقتك معه ممتازة جداً وحصلت في مادته على درجة عالية (٢) دكتور يكون معروف في الوسط الأكاديمي وهذا يعني أن يكون له أبحاث منشوره في مجلات علمية ممتازة. العنصر الأول أهم من الثاني إذا وقعت في حيره في المفاضلة.

التقديم على الجامعات

قمت بتقسيم الجامعات لثلاث فئات وهي (١) جامعات الحلم وهي أفضل جامعات في تخصصك مثل هارفارد و كولومبيا وغيرها (٢) جامعات ممتازة (٣) جامعات متوسطة. قدّم على الأقل لعشرين جامعه، نعم عشرين جامعه!!! المنافسه عالية جداً والجامعات في الغالب تقبل بمعدل متوسط طالبين في السنه. طيب كيف أقسم عدد التقديمات على الفئات الثلاثة؟ هذا راح يعتمد على عناصر كثيره أهمها للأمانه درجة الجيمات، وبعدين بشكل أقل نسبيا معدل الماجستير والجامعة اللي تخرجت منها، وكذلك على التوصيات والخبرات اللي عندك. اجعل النصيب الأكبر من التقديمات (١٢ تقريباً) على الجامعات المتماشية مع مستواك.

من أهم الأسباب المساعدة على القبول هي زيارة الجامعات و مقابلة رئيس(ة) البرنامج وكذلك مقابلة الدكاتره المهمين في القسم واللي عندهم اهتمامات بحثيه قريبة من اهتماماتك (عن نفسي قمت بزيارة ١٤ جامعة في ١٤ ولايه مختلفه وحصلت على عدة قبولات ولله الحمد والمنه وكلها من الجامعات اللي زرتها، لم أحصل على أي قبول من جامعه لم أزرها). قبل زيارة أي جامعة احرص على أن تقوم بدراسة الجامعة وما يميزها، وكذلك قم بزيارة صفحة الأشخاص اللي راح تقابلهم و معرفة أكبر قدر ممكن من المعلومات عنهم. احضر قبل موعد اللقاء بما لا يقل عن نصف ساعه و تأكد أن تكون بهندام لائق وبحضور ذهني كبير، راح توجّه لك العديد من الأسئلة أهمها غالباً:

1- Why do you want to do a PhD?

2- Why did you choose our program?

3- What are your research interests?

4- What are you planning to do after your PhD?

مرحلة ما بعد القبول و قبل البدأ بالدراسة

ألف مبروك على حصولك على قبول، هذا انجاز كبير ما شاء الله !! (جاك القبول في آلاسكا !! عادي ياصديقي أهم شي قبول هههه)

ستنتابك مشاعر مختلطه بين الحماس و الخوف، هذا شيء طبيعي جداً. أنت مقبل على رحلة شاقة جداً ستقدم من أجلها أجمل سنين عمرك، ستسأل نفسك مئة مره “هل أنا اتخذت القرار الصحيح؟ هل فعلاً الدكتوراه تستحق؟ طيب لو فشلت؟” احرص على أن تجيب عليهم كلهم بكل وضوح و بشكل قاطع و صريح “ضروري جدا”. ستسمع الكثير من التعليقات المؤيدة و المعارضة لقرارك في اكمال الدكتوراه، أنصحك بعدم الاستماع لأي منهم. أنت وحدك من سيخوض التجربة لن يكونوا معك، فلازم أنت “وحدك” من يقرر و تكون مقتنع تمام الإقتناع بقرارك. عن نفسي قمت بالسفر لدولة أخرى لوحدي لأبتعد عن هذا الضجيج، و تعاطيت مع كل مخاوفي وتساؤلاتي بشكل صريح و شامل، رجعت وكنت قد اتخذت القرار وهو “سأخوض التجربة حتى النهاية أياً كانت عواقبها، فإما أن أنجح أو أتعلم، لا يوجد شيء اسمه فشل”.

لا مانع من أن تتراجع هنا، الأمر حتى الآن بسيط!! بس تأكد من احراق كل جسور العودة إذا قررت المضي قدماً، هاذي هي نقطة اللاعوده

السنة الأولى في الدكتوراه

ستتعلم أشياء و مهارات كثيرة جداً، ستتطور قدراتك الذهنية بشكل كبير خلال فتره وجيزه، وهذا شيء مذهل !! سيتعرض مخك لقصف معلوماتي رهيب ولعملية إعادة هيكلة كامله!! السنة الأولى تعتبر تأسيسيه و هي أول مراحل الغربله، راح تبدأ مستويات الطلبه تتمايز من أول شهر تقريباً، ستظهر نقاط القوة و الضعف بشكل واضح، وهنا يأتي وقت تشكيل قروبات الدراسة. مهم أن يكون لديك قروب دراسي من أشخاص ترتاح لهم و كذلك يكون لديكم مهارات مكمله لبعضها. ستنشأ بينكم علاقة قوية بشكل ما تتخيل، ستقضي معهم معظم وقتك من الصباح و حتى الليل تقريباً في أول سنتين.

 اهتم بأن تكوّن سمعتك ممتازة من الفترة الأولى بين زملائك وبين الدكاتره. طلاب الدكتوراه لهم علاقات قوية مع الدكاتره داخل و خارج الجامعة، فاحرص أن يكون لديهم صوره إيجابية جداً عنك. من الآن إبدا بالاحتكاك مع دكاترة قسمك و معرفة اهتماماتهم البحثية، وحاول بشكل جدي أن تبدأ بالعمل في مشاريع بحثيه معهم، هذا سيخدمك كثير وسيعمل على تقصير وقت و تقليل عناء الرحلة لأن في الغالب كل ما تقوم فيه سيكون هو الأساس لرسالة الدكتوراه.

العامل النفسي

أفردت له قسم مستقل لأهميته. يجب أن تحافظ على لياقتك النفسية على طول الرحلة وليس لفترة وجيزة، فالدكتوراه عباره عن ماراثون طويل جداً، يجب أن تعرف متى تستريح ومتى يجب أن تركض. طالب الدكتوراه يمر بضغوط لا يفهمها إلا أشخاص يمرّون أو مرّو بنفس التجربة. الدراسة و العمل ستأخذ كل وقتك تقريباً خلال السنتين الأولى ولن تجد وقت كافي لممارسة الأشياء اللي تعودت عليها، بس يجب أن تحاول أن توجد الوقت لعمل أشياء ترفّه فيها عن نفسك من وقت لآخر. البعض يدخل في حالة اكتئاب خلال الفترة هاذي لأن نمط حياته تغيّر بشكل مفاجئ والضغوط تحيط فيه من كل جانب، و كذلك أن الصورة الذهنيه لحياته لا تتماشى مع واقعه، فكن مستعد للاكتئاب و يجب أن تقاومه بشراسه !! في هذه النقطة أحيلك لمقال جيد كتبه زميل “سياتل” أحمد الردادي يتحدث فيه عن الاكتئاب خلال هذه الفترة، عنوان المقال ” اذا بتستعد لدراسة الدكتوراة، استعد للكئابة في نفس الوقت”.

أمور أفادتني للمحافظة على العامل النفسي:

١- مارس الرياضة يومياً، حتى لو كنت مشغول حاول تستقطع نصف ساعة تتمرن فيها

٢- لا تكن وحيداً إطلاقاً، أحط نفسك بأشخاص و ياحبذا يكونو أشخاص معك في نفس البرنامج. احرص على الصديق “النكتي” فالضحك له مفعول السحر لتغيير الوضع النفسي

٣- أخرج من جو الدراسة تماماً من فتره لفتره، فترات الإستراحة مهمة لشحذ همتك من جديد، عن نفسي كنت أسافر للترفيه عن نفسي

٤- المتزوجين “غالبا” يكون وضعهم النفسي أكثر استقراراً، لوجود عنصر داعم و محفز. إن لم تكن متزوج فابتعد عن أي علاقة عاطفية خلال السنتين الأولى، ستكون مرهقه للطرفين لأن العلاقات في بدايتها تمر بتقلبات تحتاج لوضع نفسي مستقر و وقت، وفي الغالب أنت تفتقد كلاهما خلال هذه الفترة.

٥- الصلاة و الدعاء و الصدقة، لهم مفعول السحر في ضبط اتزانك النفسي

٦- النوم الجيد و العميق

٧- Nutrition  + Supplements

السنة الثانية في الدكتوراه

ألف مبروك اجتيازك السنه الأولى بنجاح You’re on a roll !!

السنة الثانية بالنسبة لي كانت أسهل دراسياً بكثير من السنة الأولى بحكم بدأنا في أخذ مواد تخصصية وكان عندي خلفية علمية رصينة في مجالي ولله الحمد. ولكن السنه الثانية شكّلت تحدي كبير بالنسبة لي لجوانب أخرى، المشرف على أبحاثي انتقل لجامعة أخرى دون سابق إنذار قبل البدأ بالسنة الثانية وتركني في مهب الريح !! قمت بمواصلة جميع أبحاثي لوحدي دون أن يكون لدي أي توجيه مباشر !! هنا أرغب في تقديم نصيحة وهو أن تحاول أن يكون لديك عدة دكاتره مطّلعين على أبحاثك وليس شخص واحد، وأن تكون مواضيعك البحثية خلال فترة الدكتوراه تندرج تحت اهتمامات العديد من الدكاتره وليس دكتور واحد أيضاً. اضطريت أن أقوم بعمل تغييرات جذرية في بحثي والدفاع عنه وحيداً أمام الجميع، غالباً المشرف على بحثك يساندك في حلقة الدفاع عن بحثك ولكن للأسف لم يكن معي أحد إلا الواحد الأحد، وكفى بالله وكيلاً… تخطيت هذه العقبة بنجاح ولله الحمد … كذلك تعرضت لوعكة صحية أوقفتني تماماً عن الدراسة لمدة أسبوعين، والحمدلله اجتزتها بسلام. العبرة هنا أن الخطط لن تمضى كما شئت في كثير من الأحيان وستتعرض لكثير من التعرجات فيجب أن تكون مرن، واستعد لتغيير الخطة كثيراً وليس الهدف !!

في السنة الثانية ستبدأ توجهاتك البحثية بالارتسام لكثرة قراءتك في مواضيع مختلفة في مجالك و ستجد بعضها أكثر إمتاعاً لك من غيرها. حاول أن تبدأ بالتركيز على ما يستهويك و التفكير بطرق إبداعية لاستخراج أفكار بحثية جديدة (هذه الأفكار ستخدمك في رسالة الدكتوراه لاحقاً). كذلك ستبدأ بالتفكير بقرار اختيار مشرفك الدراسي وهو قرار كبير نوعاً ما وسيؤثر على تجربتك في البرنامج، وهنا أحب أن أضع بعض المعايير المهمة للاختيار:

١- أن تكون سمعة الدكتور جيده، و هذا يمكن أن يستكشف من خلال سؤال الطلبة المتقدمين عليك دراسياً senior students  والذين يشرف عليهم هذا الدكتور

٢- تأكد أن يكون بينك وبينه توافق في الشخصيات chemistry، هذا أمر مهم!! الخلافات مع مشرفك الدراسي مكلفة جداً

٣- أن يكون لديه اهتمامات بحثية قريبة من اهتماماتك، وإلا ستكون توجيهاته لك في غير محلّها في كثير من الأحيان لعدم اطلاعه على مجال بحثك

٤- أن يكون له احترام في القسم و كلمته مسموعة بين زملائه، لا ترغب في شخص لا يستطيع أن يدافع عنك أمام الآخرين عندما تقوم بالدفاع عن مقترحك البحثي وكذلك عند الدفاع عن رسالة الدكتوراه

الاختبار الشامل

البعبع !!! هذا هو عنق الزجاجة و من وجهة نظري هي أصعب خطوة أو مرحلة في برنامج الدكتوراه. في الغالب هذه هي الخطوة السانحة للقسم لإبقاء الأشخاص اللي يرغبون فيهم، فمعايير التصحيح للاختبارات الشاملة غير واضحه غالباً !! توفيق الله ثم سمعتك ثم استعدادك ما سيخولك لاجتياز هذه الخطوة.

شخصياً كانت هاذي الفترة الأكثر ضغطاً من حيث الجانب النفسي و الأكثر ضغطاً دراسياً كذلك. بدأت بالتفرغ للتحضير للاختبارات قبل شهرين و نصف من الموعد المحدد. كان الاختبار الشامل يتكون من ثلاثة أجزاء، كل جزء معني بحقل تخصصي معين، وتم الاختبار على ثلاثة أيام مستقلة وكل اختبار مدته ٤ ساعات. لم يكن مسموح أن تجلب معك أي شيء سوى قلمك و الآلة الحاسبة. قرأت قرابة ١٣ ألف صفحة خلال تحضيري للاختبار و قمت بعمل ملخصات لها جميعاً، تحدي جبّار تكلل بالنجاح ولله الحمد !! سأضع نقاط مهمة أفادتني في الاختبار الشامل:

١- التحضير الأولي و المهم للاختبار الشامل هو خلال دراستك في السنتين الأولى، فاحرص على بناء ملخصاتك بشكل ممتاز و منظّم خلال دراستك للمواد، لا يوجد وقت أن تقوم بها لاحقاً قبل الاختبار

٢- فرّغ نفسك تماماً للإعداد للاختبار قبل فترة كافية و تجنّب التسويف، لأنك راح تنضغط نفسياً بشكل رهيب إذا ما بدأت بدري

٣- ضع خطة مفصلة للدراسة وضع تواريخ وفترة زمنية لإنهاء كل جزء، و يجب أن تلتزم بشكل كامل… مهم جداً

٤- ابدأ بالمهم والأصعب في البداية، المقصود بالمهم هو المواضيع اللي تم التركيز عليها من قبل الدكاتره خلال دراستك في السنتين الأولى، غالباً الأسئلة راح تجي منها

٥- اطلع على أسئلة الأعوام السابقة لتعرف كيفية صياغة الأسئلة ولتضع الخطة المثلى للإعداد لأسئلة مشابهة، القسم المفترض يزوّدك بأسئلة الأعوام السابقة (هذا عرف عند معظم الجامعات). الأسئلة لن تتكرر إطلاقا ولكن ستأتي بنفس الطريقة، خاصة اذا لم يتغير الدكاتره الذين يضعون الأسئلة

٦- احرص على الانتهاء من المذاكرة قبل أسبوعين على الأقل من موعد الاختبار، و كرّس الوقت المتبقي للمراجعة

٧- ابتعد عن كل المشتتات خلال هاذي الفترة. عن نفسي انقطعت تماماً عن استخدام “السوشل ميديا” وكان لها أثر كبير على تركيزي

٨- قبل يومين من الاختبار لا تجهد نفسك اطلاقاً بالمذاكرة، واحرص على أن تبقي معنوياتك مرتفعة. بالنسبة لي كنت أقضي معظم وقتي خلال اليومين الأخيرة قبل الاختبار في النادي

٩- احرص أن تنام جيدا قبل الاختبار (أعرف إنها صعبه بس حاول !!)

أتمنى أن يكون ما كتبت مفيد بالنسبة لكم و أسأل الله أن يتمم رحلتي في الدكتوراه على خير لأكتب لكم الجزء الثاني بعد الانتهاء تماماً بإذن الله. تمنياتي للجميع بالتوفيق والسداد

سلطان بن عبدالعزيز التركي

Ph.D. Candidate in Finance

West Virginia University

July / 28 /2018