تمضي الحياة و يستمر البحث عن السعادة... “ستفين هوكنج” كمثال

تمر الأيام و يكبر معها ستيفن ليخطو أولى خطواته في الكلية الجامعية في أكسفورد.. سنواته الأولى كانت مملة كما يحكي عن نفسه لكن شغفه بالرياضيات و الفيزياء بدأ يزداد يوما بعد يوما و معها ازادات رغبته بالالتحاق بجامعة كامبردج لإكمال دراسته العليا..

لم يدر في خلده يوما أنه سيصاب بمرض التصلب الجانبي الضموري. بدأت أعراض المرض في أوائل سنوات دراسته العليا فكان كثيرا ما يسقط أثناء مشيه.. ازدادت المشاكل فستيفن لم يعد يستطيع صعود الدرج.. شخصه الأطباء بمرض 
و نصحه الأطباء بالراحة لأن أيامه أصبحت معدودة فالمرض لن يمهله أكثر من سنة..amyotrophic lateral sclerosis

لم ييأس الشباب العشريني وأصر على إكمال دراسته رغم صعوبة حركته فخلال سنة أو أكثر قليلا من تاريخ تشخيصه بالمرض فقد قدرته على الحركة و أصبح ملازما للكرسي المتحرك من يومها..

٥٠ سنة مضت أشرف فيها هذا الرجل على أكثر من ٣٠ رسالة دكتوراة و حصل على أكثر من ٢٠ جائزة عالمية و تزوج مريتن و ألف عدة كتب و أصبح مثلا يضرب في تحديه لآلامه و مرضه..

ستيفن ليس الوحيد المصاب بهذا المرض العضال فغيره كثير.. هذا المرض يصيب ٣-٤ أشخاص من كل ١٠٠ ألف شخص. تبدأ المشكلة بموت الخلايا الحركية في الحبل الشوكي و معها يفقد المريض القدرة على الحركة تدريجيا و قد يصاحب ذلك فقد القدرة على التنفس و البلع و الكلام.

أغلب المرضى يموتون خلال ٢-٣ سنوات من التشخيص و الأقلية من يموتون خلال سنة واحدة أو يعيشون فاقدي القدرة على الحركة سنوات طويلة بعد التشخيص..

ستيفن كان من هؤلاء و كذلك روبرت الذي تابعته في العيادة لفترة.. روبرت في أواخر الخمسين و كان قد شخص بالمرض في الثانية و العشرين من عمره و أصبح ملازما للكرسي المتحرك خلال سنتين من تاريخ تشخيصه. رأيته قبل أسابيع على وجهه ملامح ابتسامة ( يصعب عليه تحريك قسمات وجهه) و معه زوجته التي لازمته خلال الثلاثين سنة الماضية.. روبرت أكمل دراسته الجامعية و حصل على الماجستير في المحاسبة و يعمل حاليا كمحاسب في إحدى الشركات..

جون على الطرف الآخر... صيدلي و تاجر في أواخر الستين، أصابه المرض السنة الماضية و لم يهمله كثيرا فخلال ٦ أشهر فقد جون القدرة علي الحركة و الكلام و التنفس بدون أجهزة و قبل أسابيع فارق جون الحياة. ٩ أشهر فقط هي التي منحها له المرض. ما زلت أذكر أول زيارة لها يشتكي من ضعف في إحدى يديه و بعد ٣ أشهر فقد طلبت منه زوجته أن يطلقها.

ستيفن و روبرت و جون و غيرهما الكثير دفعاني للتفكير في معنى السعادة الحقيقي.. ستيفن مات ملحدا، جون مات نصرانيا و لا أعلم ديانة روبرت.

السعادة الحقيقة هي شعور نفسي داخلي لا يعتمد على مدى غنى المرء أو قوة جسمه و عضلاته.. كثير من علماء النفس يصف الساعدة بالفن المعتمد على شروط يجب السعي في تحقيقها للوصول للسعادة. أولها الصدق مع نفسك والآخرين ثم العطاء والبذل مع إعطاء الجسم حقه من الراحة و يتبع ذلك الحصول على الشكر و تقدير معروفك من غيرك ثم الرضا بالنتائج و التفكير في الحاضر دون حمل هم المستقبل و حب الذات بدون أنانية و أخيرا تحديد الهدف و السعي من أجله تحقيقه..

قف معي لحظة.. أعد قراءة الأسباب أعلاه ثم اقرأ معي قوله تعالى: (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون ))‏ وقوله تعالى : ((.. فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى )).

أي كلمة أجمع للأسباب أعلاه من العمل الصالح.. و أي هدف أسمى من رضاء من يملك سعادة الدنيا و الآخرة سبحانه.