جني عاشق..

 _ وش فيك ارفع شماغك يا رجل موضوعك منتهي وش فيك؟

_ بنتي يا شيخ بنتي

ونظر الدكتور في وجهوه أصدقائه الذين قدموا إليه من مدينة أخرى لأنه معلمهم الأول والأفضل، واعتذر منهم وقال للرجل .. تــعــال

أخذه إلى الغرفة المجاورة للمجلس، وقال له أخبرني .. 

_ بنتي يا شيخ مريضة بها جن يشلونها شيل .. وديتها كل مكان وكل واحد فيهم يقلي شيء، مره سحر مره عين مره جن .. تعبت يا شيخ والله تعبت.. واليوم قامت تصارخ وتضرب نفسها .. ويوم أكلمها ما تجاوبني بس تناظر فيني.

_ هل حالتها الآن مستقرة؟

_ تركتها وهي تصرخ _ طيب .. أرجع وسيبها تصرخ حتى تهدأ من نفسها .. وجيبها بكره وإن شاء الله خير ولكن يجيب عليك .. يقاطعه الرجل

_ تكفي .. تكفي يا شيخ، هذي بنتي الوحيدة انا داخل على الله ثم عليك بكره أكون عندك.

_ طيب طيب .. بكره إن شاء الله الساعة 5 العصر تكون عندي.

يعود الدكتور لأصدقائه ويعتذر لهم عما حدث. يقبلون اعتذاره فوراً ويقولون لم تخطئ فقد شاهدنا المنظر مباشرةً. يسأله أحدهم: دكتور رياض هل هنا يسمونك شيخ؟

يبتسم.. نعم.. هنا مجتمع مطحون، لا يقدرون طلاب العلم بقدر ما يقدرون رجل الدين، لأنه يذكرهم بتراثهم دائماً. ولم أرغب بهذه التسمية، كل ما حدث هو أن إمام الجامع الكبير لم يحضر لصلاة الجمعة، والتفت الناس حول بعضها وأخذوا يتكلموا، وقمت وألقيت عليهم خطبة طويلة عصماء، واستعملت لهم الالفاظ التي يحبونها ويقدرونها والتي تحرك العاطفة وليس العقل، فكان نصف المسجد يبكي والآخر يدعو. ومنذ ذلك الوقت ثبتت على هذه التسمية الخاطئة. صحيح أنني عارف بعلوم القرآن وبأمور السحر والعين والتلبس، ولكنني لا أحب أن أدعى بها. فكلمة الشيخ في القرآن وفي اللغة تختلف تماماً عن مسماها الحالي في هذا الزمن.

هنا المجتمع يحتاج للكثير، الناس هنا طيبون ولكن بهم مسخ في فكرهم ونفسيتهم. وأوضاعهم المادية صعبة.

_ ما علينا .. وش كان اللعب؟

_ انته اشتريت صن يا دكتور أقصد يا شيخ، والأستاذ منصور دبلك.

يضحك الجميع

***

اليوم الموعود .. حط الرجل عند البيت في الساعة الخامسة ومعه أحد أبنائه وأخوه .. وابنته المريضة.

سلموا و رد السلام .. جلس الجميع .. اقترب الدكتور من الفتاة وقال لها بصوت عالي: وش فيك يا بنتي؟

فلم ترد عليه.. اقترب منها وبدأ بالقراءة عليها .. تحرك جسم الفتاة بحركات غير طبيعية .. أكمل القراءة .. تتأوه .. ما زال يقرأ .. تبكي .. يرفع صوته .. فتضحك بصوت غريب. أستمر على هذه الحالة قرابة الخمس دقائق وفجأةً توقف.. نظر إلى الحضور وقال للأب: أخرِج أخاك وابنك .. أريدك لوحدك.

فخرجوا جميعاً وقال له: ابنتك مشكلتها كبيرة .. سأكمل القراءة والحوار مع الجني، لو تكشفت وبدأت بتقطيع ملابسها فلا تنتظر حتى اناديك .. قم مسرعاً وامسك بها لأنني لن ألمسها .. والآن أريدك أن تذهب في الزاوية المقابلة للمجلس فلا أريد لك أن تتضرر.

يوافق الرجل الذي بدأ أكثر خوفاً على ابنته.

اقترب الدكتور رياض من الفتاة وقال لها بصوت حنون: وش فيك يا بنتي؟ قوليلي .. ممكن أقدر أساعدك. ترى انا ما قرأت عليك ولا شيء من القرآن .. انا اتمتم بشعر غزلي قديم وأغنية لمحمد عبده، أبوك بعيد وماراح يسمعك.. وأوعدك لو قلتيلي راح أساعدك.

فبكت بصوت هادئ محشرج وقالت .. يا شيخ انا أحب واحد من زمان وتكلمنا كثير وانا مني قادرة أعيش من غيره.

_ وانتي ايش يضمنك إنه يبغاك زي ما تبغيه؟

_ جاء خطبني من أهلي مرتين ورفضوه .. لأن قبيلته أقل من قبيلتنا

_ يشتغل؟

إيه .. والله إنه رجال محترم ويشقى على نفسه، وأهله ما يساعدوه. ولكن اهلي رفضوه. وانا أحبه كثير. وهو ما يبغا يتزوج غيري. ولو عرفوا أهلي أني أكلمه بتكون نهاية حياتي.

_ كم عمرك؟

_ 29 وأهلي ما يبغوا يزوجوني إلا من رجال قبيلتنا.

قال لها الدكتور: أسمعي مني وأحفظي.. ترجعي الآن إلى البيت .. تكلمي حبيبك .. تخبريه انه يأخذ أهله ولا يتأخر عن 3 أيام ويتقدم ويخطبك من جديد.. وتأكدي عليه إنه يسويها .. وأوعديه إن أهلك راح يوافقوا ويسهلوا موضوعك.

_ بس يا شيخ أهلي رفضوه مرتين.. _ سوي اللي اقلك عليه وأحرصي إنه يوعدك إنه يسويها .. ولا تكلميه بعدها أبداً. ولو ما سويتي اللي قلتلك عليه .. ترى أبوك جالس الآن أقله.

_ لا لا خلاص يا شيخ .. أوعدك.

***

ينادي الدكتور رياض للرجل ويقول له: إن بنتك بها جني عاشق، بل هو عـفـريـت من الجن، وهذا النوع يعذب الانسان عذاباً شديداً.

والحل يا شيخ؟

_ زوجها أقرب رجل يتقدم لها ووافق ولا تعطل الأمر، بل سرع بإجراءات الزواج. إن استمرت بهذه الحالة قد تفقد صحتها .. وقد تذهب إلى الجنون، لأنها وصلت لحالة خطيرة. والزواج هو الحل الأنسب.

_ طيب لو جالها واحد .. وما تعالجت ؟!

_ إذاً سأمسك بكل شهادتي وأرميها في سلة المهملات. ثق بالله وأعلم أنني أعالج من 20 سنة.

_ تمام يا شيخ تمام.

***

بعد ثلاث أسابيع .. يدخل شاب على الدكتور في بيته المفتوح للجميع .. يقبل رأسه .. ويقول له أنا عاصم، عرفتني يا شيخ. _ لا والله يا ولدي ما عرفتك.

_ انا اللي جاتك فلانه وقلتلها إنها تكلمني عشان أجي أخطبها.

_ أيوه أهلاً أهلاً يا ولدي .. هااا بشر؟

_ أبد.. بغيت أعزمك على زواجي منها الأسبوع الجاي، والله يوفقك على اللي سويته .. ولو احتجت أي شيء انا هنا في البلد خدامك.

يجيبه: أنتظر هنا لحظه .. يعود الدكتور ومعه ظرف .. ويقول له .. سلم على زوجتك وإن أردت أن تخدمني، فأحسن معاملتها لأنها أخطأت كثيراً بحق أهلها من أجلك. وهذه "عانية" مني لكما.

وفقك الله