•   info@saudiusa.com
( 2 Votes ) 
9 كانون2 2017

البطة الأم

 

مقطع فيديو لبطة إرتقت درجتين وأنتظرت بعيداً حتى تجاوز باقي بطاتها الصغار هذه العقبة ولحقوا بوالدتهم التي سبقتهم تختال غروراً بإنجاز بطاتها. فألهمني الرحمن في هذه الثواني درساً لنفسي أحببت مشاركتكم إياه. فهذه البطة تُعلمنا نحن الأمهات والآباء درساً عظيماً في التربية إن تركنا لأنفسنا الفرصة للنيل من كل مصادر العلم التي وضعها الله في طريقنا. 

 

فهذه البطة أم وإن كانت في صورة بطة. أم ولكن بقيت على الفطرة الطبيعية دون تأثير المجتمع أو الإعلام أو قوى الغزو الخفية! بطة خلقها الله بقلب أكبر من عقلها، فاستعملت هذا القلب ليفكر كعقلها. هذه البطة الأم.. كان بإمكانها مساعدة صغارها لتخفيف الصعاب، وكان بإمكانها دفع صغارها بمنقارها ورفعهم. كما كان بإمكانها تحفيز صغارها ليتجاوزوا العقبات إما بالنظر إليهم لتطمينهم و تشجيعهم أو حتى تلقينهم الخطوات أو تصحيح مسارهم. 

 

ولكن هذه الأم، آثرت البقاء بعيداً والإنتظار. إنتظار الواثق في قدرة صغارها على التعلم واكتساب المهارات، ولكنه أيضاً إنتظار الأم القلقة الحنون. فقضت على قلقها جيئة وذهاباً. وقد تكون حركتها رسالةً خفية لهم بتنويع الطرق وتبديل المحاولات! ولكنّ الملاحظ أنها عملت دون إظهار الكثير من مشاعر الأمومة الحانية في غير وقتها، وكأنها تعلم أن إظهار هذه المشاعر حينها لن يقويهم (وسبحان من علمها)! فهذا لن يساعدهم إن غابت عنهم أو غيبتها ظروف الحياة، بل إنها قد تدمر الكثير من قوتهم وثقتم بدل أن تدعمها حين ترسل لهم رسائل ضمنية بأنهم ضعاف ويحتاجون لقوة والديهم حتى يتجاوزوا ظروف الحياة!

 

أليس حريّاً بنا نحن البشر المكرمين بالعقل والإختيار أن نتأمل في فعل هذه الأم! ونقارنها بأحوال كثير منا في هذا الزمان! لقد وفرنا لأبناءنا الكماليات والرغبات قبل الاحتياجات. وكأننا نقول لهم لا يمكنكم العيش بدون عكازات النعومة وكراسي الرفاهية.

 

أظهرنا لهم تعاطفنا المسموم عند أزماتهم وكأننا نؤكد لهم عجزهم وضعفهم، وقضينا على بقايا القوة فيهم بدعوى الحب. ثم دفعناهم بأيدينا للأسفل بدعوى مساعدتهم تخطي العقبات وإدمان الإنجاز، سواء كان هذا بتذكيرهم بموعدٍ لهم أو تدريس إمتحان أو حتى مساعدة في آداء الواجبات.

 

الكثير منا كأمهات وآباء نحتاج لإعادة تأهيل أنفسنا. نحتاج أن نتعلم كيف نفهم لغة أطفالنا الحقيقية. وأن نتوقف عن ترجمة لغتهم إلى لغتنا نحن، لنفهم منهم مانريد نحن أن نفهمه. نحتاج أن نتعلم لغتهم لنفرِّق بين احتياجاتهم ورغباتهم.

 

فنفهم احتياجات أبناءنا الحقيقية ونوفرها لهم حين يحتاجوها فعلاً ، لينموا ويتعلموا ويبنوا مهاراتهم ويصقلوا شخصياتهم. وليس ما اعتقدنا أنها حاجاتهم، لأننا اعتقدنا أننا احتجناها يوماً.

 

ونتعرف على رغباتهم وننتظر جيئة وذهابا بقلق الوالدين المحبين حتى نراهم يختاروا أفضلها. ثم، والأهم من ذلك، نصبّر أنفسنا ونكبح عواطفنا لنترك لهم الفرصة للعمل على توفير رغباتهم لأنفسهم!

 

نحتاج أن نتعلم كيف ومتى نظهر مشاعرنا. نعم، إنهم بحاجة للحنان والتعاطف ولكن بعد الإنجاز وليس قبله. إنهم بحاجة لمن يسمعهم ويفهمهم ويتفهم مشاعرهم. ويظهر هذا الإنصات والفهم والتفهم.

 

وهم بحاجة للحب في كل وقت وحين. الحب فقط لأنهم أبناءنا ولأننا والديهم. وليس الحب المشروط بفعل أو قول أو مظهر أو حتى إنجاز. حب يمتد بكل الزوايا والإتجاهات. حب لن يقف يوماً بموت أو حياة بل يتوقف ودّه عند قوله تعالى" لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم". وهذا ما لن نصل إليه بإذن الله اذا أدينا الأمانة في أبنائنا وتعلمنا وعلمنا وكنا خير نموذج لهم، وفوضنا الأمر كله من قبل ومن بعد لصاحب الأمر "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء "

 

ولنتوقف عن تذكّر طفولتنا لنصلح ذكرياتها في أطفالنا.. فإن كنّا يوماً ما تلك البطة الأخيرة التي عتبت على والدتها التي لم تساعدها وتحميها من الخوف والقلق والألم لتكون أول من يتجاوز العقبات وبأقل مجهود، فلنتذكر أننا لم نكن لنصل لما وصلنا له الآن بذات القوة والمهارة دون المرور بهذه التجارب ثم نتسائل بِحِيرة عن عدم وصول أبنائنا لما وصلنا له!

 

فلا تحرموا أبناءكم من تجارب الحياة وبالتالي من إكتشاف أنفسهم و بناء مهاراتهم بدعوى الحب وتمنى الأفضل لهم.

 

 

نوف بنت مبارك

ابنة لوالدين عظيمين وأم لشابين وثلاث أطفال والأخت الكبرى لنخبة هم إلهامها وسندها في الحياة!

محاضر بقسم نظم المعلومات بجامعة الملك عبدالعزيز، حاصلة على البكالوريوس والماجستير في علوم الحاسبات من جامعة الملك عبدالعزيز ومبتعثة لمرحلة الدكتوراة بجامعة تمبل - فيلادلفيا

بدأت المساهمة في العمل التطوعي منذ عام ٢٠٠٥ وانتسبت الى فريق التحرير في مجموعة سعوديون في أمريكا ككاتبة ومحررة في ابريل ٢٠١٥

- Twitter
نوف بنت مبارك

موعد نزول الرواتب

تم ايداع المخصصات

تسجيل الدخول