ليست تهنئة .. كل عام وأنتم بخير

 

أعني أن الإنسان قد يموت من الدهشة حين يعلم أنكم امتلكم كل شيء في تلك السنين. وهذا ما لم يحصل في أي بلد آخر، فالعالم من حولكم ينهار وتبقون أنتم الأسياد، إنكم مركز الكون، فكل عام وأنتم بخير. تأكلون ما يزرعه الآخرون، وتلبسون ما يطرزه الآخرون، وتسكنون ما يبنيه الآخرون. كل عام وأنتم بخير. لأن العالم بدونكم لا يقف على قدميه، ولأنه بدونكم يفتقد لسيده ويمتلئ بالعبيد الذين لا يجدون من يملكهم ويصبح عالماً خالياً من المتعة. وهناك عالم آخر يكون بدونكم مجرد بحيرة من العرق تريد أن تهدمكم وتهدم بلادكم ودينكم. إنهم يتصببون عرقاً من أجل أن يغزوا أبنائكم فكرياً ويغرّبونهم عن بوصلة شرقيتكم المجيدة. ولكن هيهات، فأنتم تتصيدون وتلاحظون وتصرخون جيدًا كي لا يحدث ذلك، كي تسير السفينة كما هي ويتحقق دعاؤكم بألا يغير الله علينا وعليكم، فأنتم دائماً بخير. تعتلون الخطاب بالبكاء وتختلقون القصص وتنقلون الموروث بطريقتكم كي لا يحيد أبنائكم عن الحق. حتى إن فكروا ليتطوروا ويتقدموا وينافسوا بقية العالم، فأنتم تنبهونهم منذ ثلاثون عاماً بأن ذلك الغرب يريد لنا الخراب. فلا يهمهم شيء من دنياهم سوانا، وما ذلك العرق إلا إذلالاً من الله لهم كي يعملوا عبيداً عندنا. العزة لكم فأنتم تستطيعون فعل أي شيء، ما دمتم لا تفعلونه حقاً. وخلال الثلاثين عاماً انتجتم عقلاً متأطرً ولساناً مردداً، ولم تقبلوا جديد الآخر لأنه عندكم ببساطة شيطان في ثوب إنسان. وبالرغم من هذا كله استطعتم أن تصلوا إلى ما وصلتم إليه .. مال وجاه وقوة وسلطة. فالمجد لكم وكل عام وأنتم بخير.

 

ويحدث فعلاً ما كنتم تخافونه ولا يستجاب دعائكم الخالي من العمل. تنهار قيمكم أمامكم وتنقلب دروسكم عليكم ويقتل أبناؤكم بعضهم بعضاً. وهذه المرة دون تغريب ولا تشريق، دون مؤامرة ولا انفتاح، بل بانفجارهم جسدياً بينكم، بعدما ضللتم لثلاثين عاماً تقولون لهم اذهبوا وقاتلوا أعداء الله وأعداءكم ونحن سنبقى هنا ندعوه بألا يغير علينا من مال وجاه وقوة وسلطة. فكل عام وأنتم بخير. وبعد كل هذا الخير والشر معاً مازلتم تتواجدون في الساحة تصرخون كالذئاب التي لا تحسن سوى أن تعوي أو تصرخ من أجل أي كارثة تخطر ببالها، من أجل أي شيء مقابل لا شيء، وعندما تتعب من الصراخ تصرخ أيضاً لإبداء التعب. المهم فقط أن تتواجدوا كفوهات المسدسات تطلق سمومها من محاولة أي تعديل يفضح العار والألم الذي أنتجتموه. الله وحده يعلم ماهي نواياكم وهو العالم سبب اتهاماتكم المستمرة لكل مختلف. ولكننا نعلم جيداً أنكم قتلتم العقول، قتلتم الأرواح، مسختم الإنسان. وتعتقدون أنكم مازلتم في المقدمة بشكلكم المكرر. فكل عام وأنتم بخير.

 

ترجلوا عن جِمالكم، أو اسقطوا من أبراجكم، وانسحبوا من ساحة المعركة التي أنهكتكم وأنهكتنا، واتركوا لنا التعب والعرق وحدنا، اصمتوا لنعرف قيمة الأمن والأمان التي ضللتم ثلاثين عاماً تفاخرون بها حتى هدمتموها. تنحوا لنعرف قيمتنا حول العالم ونسابقهم على التقدم. ونعدكم بأن مكانتكم ستكون محفوظة للتاريخ، وستكونون أجمل "أنتيكة" تزين زاويا مجالسنا.  وسندعو من أرهبتمونا بدينة بأن يغير حالنا من بعدكم، حتى نثبت له أننا نمثل من سلم الناس من لسانه ويده ونقتدي بمن كان رحمة للعالمين. أن نحقق العدل والمساواة، ألا نفاخر أحداً إلا بالإخلاص والصدق والإحسان. هذا زمننا نحن. مدنتكم المغلوطة انتهت، وتراثكم الكاره لكل جميل طُمس، وأصواتكم المزعجة لن تسمع. إننا جيل العمل وليس جيل الخوار. جيل الإنتاج وليس جيل الاجترار. وعلى أي حال .. وحتى الآن .. كل عام وأنتم بخير، علكم تعون مقاصدها.