ومضات رمضانية ٢
الومضة الثالثة: وابل الخير في رمضان
ويأتي شهر الخير، فتجود النفوس بخير ماعندها، وتتنافس العقول في استحضار أبوابه ويتسارع الصغير والكبير والغني وميسور الحال وحتى ذوي الدخل المحدود للبذل والعطاء كلٌ على قدر استطاعته! بل ومنهم من حضّر لهذا العطاء أشهراً وأجّل بعض زكاته وصدقاته حتى يضاعف أجرها. ومنهم من استعد ودرس احتياجات فئة من الناس وأمعن التفكير فيها فجهز الخطط ونظم الفرق حتى يعينهم ويسهل أمورهم في رمضان ويحقق بعضاً من آمالهم البسيطة.
ويتكاثر الخير ويتزاحم الإحسان حتى لتظن أنه لم يتبقى بابٌ لم يطرق ولا حاجة لم تقضى، وليُخيّل للمتأمل سيول العطاء قد انسابت من كل شارع وانحدرت من كل جانب حتى لم تعد تجد من يتلقفها! ولا ضير في مثل هذا الخير والرغبة في العطاء بل انه محمود مرغوب!
ولكن، ماذا بعد رمضان! فبرغم كثرة أبواب المصروفات في رمضان وما يتلوها من مناسبات إلا أن ميزانية الخير ثابتة في ذلك الشهر لا تتأثر، بينما تعجز عن الصمود وتضعف مواردها باقي الشهور الا من فائض غير مدروس او اليسير الذي لا يغني من جوع. فلماذا تتثاقل النفوس عن مثل هذا العطاء والبذل بالمال والفكر والجهد! لماذا لايكون الوابل في شهر رمضان مطراً جوداً في كل شهور السنة! وفالقلوب هي القلوب ومساعدة الخير محفزة لهرمون الإندروفين طوال السنة وليست فقط في رمضان والمتعة في العطاء ممكنة في كل وقت. حتى الأجر ومضاعفته واقع وأمره بيد الله وبقدر تفريج الكُرٓب تتعاظم الأجور.
فلنتفكر في هذه الأيام في حال بذلنا وعطائنا، ولنبحث في سرائرنا عن محفزات لتديم عطاءنا طول السنة، فيكون عطاءاً كزخاتِ مطر الجودة الذي يتسرب لأعماق مجتمعاتنا ويروي ضمأها وحاجتها بدل أن يكون وابلاً يجرف النفوس بسعادة مؤقتة وفرج لا يصمد طويلاً .