•   info@saudiusa.com
( 0 Votes ) 
21 كانون2 2015

تــمــرد أنـثـى

hattan

سعوديون في أمريكا - هتان عارف

منذُ أن كنتُ طالبة في المدرسة، تعلمتُ الكثير و الكثير، و ابتلعتُ قطرة من كل علم. و جاء وقت التخرج من مرحلة الثانوية. نعم لقد تخرجت بتفوق، و اجتزت كل ما هو مطلوب و صرتُ جاهزة تماما للإبتعاث. كأنثى، لابد لي من محرم. و كــ فتاة في الثامنة عشرة من العمر، لا أريد أن أتزوج في هذا السن المبكر. لم أجد سوى أخي الأكبر ليرافقني. و برغم رفضه المتكرر بحكم عمله و تجارته و علاقاته اللا منتهية، كان إقناعه بالسفر في غاية الصعوبة. إلا أنه أخي، أعرفه جيدا... لذلك، أقنعته بطرقي. سافرنا معا إلى أمريكا حيث العاصمة واشنطن. بالنسبة لأخي، لم يكن سعيدا

أو مصدوما فقد اعتاد على زيارة أمريكا بين الحين و الأخر. بالنسبة لي كانت الصدمة، و لأول مرة أدرك معنى الصدمة و الفجأة.

 

لم أستوعب كل تلك العوالم كيف تتداخل مع بعضها البعض، و تتصارع مع الوقت لإنجاز أمر ما. لقد كنتُ سطحية جدا، و مهمشة جدا جدا في عائلة ذكورية بحتة تتعامل مع الأنثى كأداة يسيرها الرجل كيفما أراد و شاء. كان الحجاب أول شيء بدأتُ أختبئ داخله. غطاء كامل و صوت لا مسموع و أخي يتباهى بارتداء ما طاب له.

كان الأربعاء يوم الوصول، و كان الأثنين القادم بداية الدراسة. طيلة هذي الأيام، كنتُ أستمع لمحاضرات بصوت أخي الذي تحول شيخا بشكل مفاجئ. بدأ يذكرني بضرورة الحجاب الكامل و عدم التفكير لمجرد تفكير في تقنين ذلك الحجاب. طرح قضية الخلوة و غاص فيها و في حرمتها. تحدث كثيرا عن أعياد الميلاد و حُرمة الاحتفال بها. لم يقصر ابدا، و تحول لمفتي جاهرا بصوته حُرمة زيارة الكنائس و المعابد. و حرم علي إطلاقا مجرد الهمس بقيادة سيارة فاستأجر منزلا يفصل عن معهد اللغة دقائق لا أكثر.

انطلقت الدراسة و نظرات الكل تحوم حولي. لم أجد مرة أخرى سوى حجابي لأختبئ داخله. عدتُ إلى المنزل و تحدثتُ مع أخي، إلا أنه اعتبر ما حدث ردة فعل طبيعية تحدث مع كل فتاة سعودية. تمضي الأيام و الحال على ما هو عليه. أخي يسافر إلى كاليفورنيا لقضاء بعض المتعة مع اصدقائه. اشترى كل لوازم المنزل بشكل مضاعف، و دفع كل الفواتير، و سدد الإيجار لشهرين. و قام بإلقاء محاضرة وداعية لكل ما هو واجب علي تنفيذه كفتاة سعودية أولا ثم كأنثى مسلمة.

رحل أخي... استمتع كثيرا كما وصف لي وقته مع اصدقائه هناك في كاليفورنيا. و اضطر بحكم تجارته و علاقاته المتعددة للسفر هذي المرة إلى أوربا. طلب مني أن لا أُخبر أحدا بأمر السفر. تكتمتُ على الخبر و كنتُ سعيدة بأنه ليس هنا. أذكر في مرة تحدثتُ إليه عبر الهاتف حول عدم جواز بقاء الفتاة في الخارج دون محرم. إلا أن رده كان جاهزا و على طرف لسانه بأن هناك ضرورات تبيح بعض المحذورات. و سفره لأوربا بداعي التجارة كما يدعي، يعدُ ضرورة قصوى.

خلال ذلك، تعرفتُ على الكثير من الفتيات السعوديات اللاتي بدأن بزيارتي في المنزل. لا تعرف أنهن سعوديات إلا إذا تحدثن. جميلات جدا و ذوي أناقة و فكر متفتح بعقلية متنورة و طامحة للغد. كنتُ أخجل و أُحرج كثيرا عندما أتحدث معهم عن حياتي و عن عائلتي. إلا أن احتضانهم لي جعلني أشعر بالدفء و الأمان و الاستقرار. انسجمتُ مع هذي المجموعة من الفتيات، و طلبنَ مني الخروج معهم إلا أنهن رفضن ذلك بعد تمسكي بالحجاب الكامل. هذا الرفض ولد التنافر، و استفز الكثير منهم ما جعلهم يبتعدون عني أكثر و أكثر.

خلال عطلة الأسبوع, بدأت أُبحر في عالم الإنترنت الحر بعد أن كنتُ مقيدة جدا في استخدامه بين عائلتي. دخلتُ بشكل تلقائي على أحكام الدين للفتاة المبتعثة و قرأتُ و اكتشفتُ الكثير. لم أكتفِ بذلك، بل تمعنتُ أكثر و بحثتُ بعمق في أحكام الحجاب، الخلوة و اﻹختلاط، التعامل مع المسيح، و غيرها من الأمور اللا نقاش فيها ضمن نطاق عائلتي.

بعد ساعات و قضاء جل عطلة الأسبوع في البحث، أيقنتُ تماما أني أداة يسيرها الرجل كيفما شاء في عائلتي. أدركتُ أني مطموسةٌ جدا و مقمعةٌ جدا لعدم إدراكي لكثير من اﻷمور الحياتية. أدركتُ حقا أن الدين بُعثر و شُوهت صورته الحقيقية. تمعنتُ أكثر و أكثر، و توصلتُ لأمور و أحكام عديدة تُسهل على المبتعثة تدبير حياتها في الخارج دون الخروج عن دائرة و نطاق الإسلام.

ذهبتُ إلى المعهد يوم الأثنين بشكل مغاير تماما. ابتسامة متفائلة، نظرة طامحة، وجه مكشوف، و تقبل اجتماعي لكل ما يحدث حولي. الكل لاحظ ذلك التغيير المفاجئ، إلا أني أخبرتهم أني أدركتُ أمورا لم أكن أدركها فيما مضى. تنفستُ أخيرا، و خرجتُ مع صديقاتي. ذهبتُ هنا و هناك، و رحب الكل بي. عرفت معنى الابتسامة الحقيقة، و تفهمت حقا قيمة اﻹسلام الحقيقة في مبدأ التعامل باليسر و ليس العسر.

عاد أخي بعد شهرين أو أكثر من سفره بشكل مفاجئ. عدتُ إلى المنزل بعد يوم طويل في المعهد و كان أخي في استقبالي. لم يتحدث أو يتناقش على الإطلاق. لقد قام بضربي و إهانتي و الصراخ بأعلى صوته. عندما هدأ قليلا، و وقفَ صامتا، نطق لساني بكل فصاحة و قلت له: "نعم لقد تخليتُ عن غطاء الوجه، و ارتديتُ العباءة الملونة لا السوداء، و تعلمتُ كيف أقود سيارة صديقتي، و ذهبتُ لعدة مناسبات، و زرتُ الكنيسة و أحد المعابد، و تجمعتُ في احدى المقاهي مع مجموعة كبيرة من الشباب و الفتيات، و عملتُ لمدة أسبوع في مكان مختلط كمتطوعة. كل ذلك فعلته بعد أن أيقنت تماما من اطلاعي و بحثي العميق، أنه لا حرج على الفتاة المبتعثة كل ما فعلته. لقد تعلمتُ أن أقرأ و أبحث بنفسي عن المعلومة. لقد تعلمتُ أن لا أخذ الشيء من مصدر واحد، و أطبقه على كل جوانب حياتي. لقد تعلمتُ أن الدين يسر و ليس عسر، و أنه وُجد لسعادة البشر و ليس لشقائهم." سكتُ قليلا ثم قلت: "كما أنت شخصيا، سافرت لمدة شهرين، و تركتني بلا محرم وحيدة بداعي ضرورة السفر. أي ضرورة تلك التي خلقتها و أوجدت لها عذرا شرعيا؟ كفاك تناقضا، و انظر لما حولك."

لم يتحدث أخي كثيرا بعد ذلك. فقد أخبرني بضرورة طلب تأجيل بعثة للعودة للسعودية لعرض ما حدث أمام عائلتنا. أخبرته أن كلانا سيتضرر نتيجة ذلك، إلا أنه أصر على تنفيذ ما يدور في رأسه. عُدنا إلى السعودية، و الكل بدأ بلومي و الصراخ علي و إهانتي. إلا أن ما سهل الأمر هو أن أحد شباب العائلة تقدم للزواج بي. لم ترفضه عائلتي، بل بدأوا بتعجيل الزواج. فهم يرون ما فعلته جريمة و عار يجب أن يتم تداركه قبل أن تفوح رائحته.

عدتُ إلى واقعي، و أدركتُ أني مخطئة لأني خرجت عن الرجل و أصبحتُ أكثر من مجرد أداة. و دعوتُ الله أن يكون زوجي أكثر وعيا و تفتحا، و أن لا ينظرَ لي كأداة يسيرها كيفما أراد أو شاء.

موعد نزول الرواتب

تم ايداع المخصصات

تسجيل الدخول