•   info@saudiusa.com
بترولنا ومزرعة التمور
( 0 Votes ) 
1 كانون2 2015

بترولنا ومزرعة التمور

سعوديون في أمريكا - عمر محمد العنزي

ولد أحمد لعائلة فقيرة جدا تسكن في حي شعبي في أحد المدن الكبيرة والمكتظة بالسكان، لم يكن لأحمد ولا لعائلته كنوز من ذهب أو من فضة، لم تكن لهم مزارع من نخيل وأعناب تتفجر من خلالها الأنهار والينابيع، في المقابل كانت ملعقة الذهب منغرسة في فيه سعد، الذي وإن كان يبعد قصر أبيه عن بيت احمد بضعة اميال الا ان الفرق بين هذا القصر وذاك البيت كالفرق بين الليل والنهار، فذلك القصر العاجي المزين بأحدث أنواع الزينة والديكور لا يمكن

باي حال من الأحوال مقارنته بهاذا البيت المتواضع الذي تسكنه عائلة أحمد. لم لا، فقد أنعم الله على عائلة سعد بأن وهبهم أرضا زراعية تنتج لهم تمرا بكميات كبيرة جدا يغطي إنتاجها ربع أسواق المدينة كبر أحمد، وكثر إخوته، وقلت مؤونتهم، وأصبحوا في وضع حرج جدا،

 

فالمعاش التقاعدي الذي يناله والد أحمد لم يعد يكفي لدفع إيجار هذا المنزل المهترء، لذلك عزم أحمد على مساعدة أبيه وذهب في جنح الليل المظلم يلتمس عملا لعله يمير أهله ويحفظ ماء وجه ابيه الذي استدان من معظم اصدقائه ويزداد كيل بعير، في الحقيقة لم يكن أحمد حائرا الى اين سيذهب ليجد عملا، فمزرعة أبي سعد كانت قبلة لجميع الباحثين عن العمل من أبناء حي أحمد العشوائي. نعم، سرعان ماوجد احمد عملا في مطبخ بيت سعد، لإن إخوة سعد كانوا يأنفون ان يغسلوا موائد طعامهم الدسم فكان يبحثون عمن يقوم بذلك بدلا عنهم، .كيف لا وهم أبناء أعظم تجار التمور في المدينة كان احمد يؤمن ان النعم تأتي من عند الله يهبها الله لمن يشاء من عباده، الا ان الطبيعة البشرية المتمثلة بالغيرة كانت تلازمه عندما كان يرى أبناء أبو سعد في مركباتهم الفارهة التي لا يحسنون إصلاحها عند أي علة تظهر بها، كان أحمد يسأل نفسه في خلوته، هل هذا مبلغي من الدنيا؟ هل قضي الامر علي أن أعيش ماتبقى من عمري خادما؟ لم تكن تلك .أسئلة بالنسبة لأحمد بقدر ماكانت أجوبة لواقع مرير قاسمته معه عائلته لم يكن احدا ليعلم، حتى أحمد نفسه، أن يكون عمله لدى تلك العائلة نعمة بالنسبة له في نهاية المطاف، فقد تعلم أحمد طهي جميع الوجبات المتعددة التي كان يطلبها ابناء ابو سعد، بالإضافة الى ذلك، فقد تعلم سقاية النخيل التي لا يحسنها أيا من إخوة سعد، ومن نعم الله على احمد ان يعمل اخوته محمد وخالد معه في نفس القصر، فقد استفاد محمد من عمله في حضيرة المواشي في القصر فأصبح راعيا ماهرا وخبيرا في تربية البهائم، وقد استفاد خالد ايضا من عمله في مجال الخياطة في قصر إخوة سعد حتى أصبح خياطا ماهرا كذلك قد مكن الله لعائلة أحمد الفقيرة، فماكان ليأخذ اخوته في مزرعة أبو سعد إلا أن يشاء الله، الان وبعد أن أصبح جميع الإخوة الثلاثة يجيدون حرفا متعددة، أصبح بوسع كل .منهم أن يكون له متجرا بسيطا يبدأوا به حياتهم التجارية بعد عدة سنوات حدثت حادثة جديدة فمالبث إلا أن زاد عدد منتجي التمور في هذه المدينة وأصبح التنافس بينهم شرسا، وكطبيعة الأسواق، ماكان لأسعار التمور الا أن تهبط نظرا لزيادة العرض على طلب أهل المدينة، فما كان من عائلة أبو سعد ألا أن يخفضوا من حجم إنفقاهم الذي اعتادوا عليه وترك حياة الرغد التي ألفتها نفوسهم، في هذه اللحظة خرج سعد يحوم في شوارع المدينة، ويشكو غدر الزمان القاسي الى طرقاتها المزدحمة، وفي خضم التفكير والهم قرر أن يهون على نفسه ويذهب الى أحد افضل مطاعم الأسماك، فقد اشتاقت نفسه لوجبته المفضلة أيام الرخاء، عندها استخرج سعد مبلغا ليس بالهين عليه الآن من جيبه ليشتري وجبة السمك الشهية من مطعم أحمد في تلك اللحظة كان سعد زبونا واحدا من مئات الزبائن الذين يتوافدون على مطعم أحمد يوميا، وكان المال الذي دفعه سعد لشراء وجبة السمك تلك يعني له الكثير ولكن في المقابل، لنسترجع شريط الذكريات قليلا، عندما كان أحمد يعمل في مزرعة أبو سعد كان بالنسبة لسعد مجرد عامل من مئات العمال الذين يعملون في بساتين أبيه، فمالذي تغير؟ نعم انها الإرادة الإلهية قبل كل شيء، ولكن.. ماذا كان سيؤول إليه مصير سعد وإخوته لو أنهم استغلوا ماحباهم الله به من ثروات وطوروا من معرفتهم، ماذا كان سيحدث لو أنهم استثمروا تلك الأموال التي جنوها من بيع التمور في تعلم زراعة أنواع أخرى من الخضار والفواكه؟ ماذا كان ليحدث لو أنهم استثمروا تلك الاموال في أنفسهم وجلبوا ذوي الخبرات من الأحياء المجاورة ليعلموا أبنائهم حرفا جديدة تكون كفيلة في ضمان تنوع مصادر واردات هذه العائلة؟ والان، وبعد ان واجهت عائلة ابو سعد هذا المصير البائس، ألم يدرك إخوة سعد أن تلك الواردات المالية الضخمة، وإن كانت نعمة قد من الله عليهم بها، بمثابة المخدر الموضعي بالنسبة لهم لأنهم لم يحسنوا التعامل معها؟ ه بالطبع لن تنتهي حالة بيت سعد على هذه الحالة إذا ما كانت ردة فعلهم إيجابية حيال هذه القضية من خلال البحث على تنويع مصادر رزقهم. بالتأكيد سيعلم القارئ أن أعلى مراتب الحماقة التي من الممكن ان يرتكبها بيت ابو سعد هي ان يركنوا الى الواقع وينتظروا عودة ازدهار سوق التمور وعودتها الى سابق عهدها.

 

لعل القارئ يدرك الان المغزى من وراء هذه القصة البسيطة، لقد تم اكتشاف كنز النفط في صحارينا عند منتصف الخمسينيات من القرن المنصرم. لك ان تسأل نفسك عزيزي القارئ، لو إستمرت أسعار النفط في الإنهيار أبعد مما هي عليه الان هل سنكون أفضل حالا من سعد وإخوته؟ هل نمتلك الأدوات التي تجعلنا نلتقط أنفاسنا وننهض بإقتصادنا حتى وإن انهارت أسعار النفط؟ إن الواقع الذي نعيشه اليوم هو واقع مخيف جدا، إن اكثر من ٩٢٪ من اجمالي صادرات المملكة تأتي من الإبن البار، النفط، لك أن تتخيل عزيزي القارئ عواقب أي اهتزاز في أسعار هذه السلعة. في عام ٢٠١٢ كان سوق صناعة الطيران يمثل أكبر مصدر دخل بالنسبة لصادرات الولايات المتحدة الأمريكية، فقد وصلت قيمة الصادرات الى ١١٨،٥ مليار دولار اميريكي، إلا أن هذه القيمة لا تشكل أكثر من ٦٪ من حجم اجمالي صادرات العم سام والبالغة ٢،٢ تريليون دولار. لا شك أن أي هزه في سوق صناعة الطيران ستكون مصدر قلق للإقتصاد الاميريكي لأنها تمثل ٦٪ بالمائة من حجم صادراته، ولكن ماذا عسانا أن نقول في من تشكل سلعة واحدة أكثر من ٩٢٪ من حجم صادراته؟

لعل قصة أحمد وسعد وإن كانت نسجا من الخيال فإنها لا تعدو عن كونها حقيقة يجب مواجهتها. وأصدق مواجهات الحقيقة تلك التي نواجه فيها ذاتنا ونحاوره. هل سنستمر فيما نحن عليه أم أن شيئا سيتغير؟

يقول فيلسوف الفلاسفة أفلاطون “إن تعبت في البر، فإن البر يبقى والتعب يزول، وإن تلذذت بالآثام، فإن اللذة تزول والآثام تبقى” أما حالنا اليوم فيقول إن تعبنا في تنويع مصادر دخلنا، فإن التعب يذهب والإقتصاد يبقى، وإن تلذذنا بالنفط، فإن النفط ينضب واللذة تزول.

 

موعد نزول الرواتب

تم ايداع المخصصات

تسجيل الدخول