•   info@saudiusa.com
( 0 Votes ) 
27 تشرين1 2014

نيات مَكبوتة .. بـ البِـنتـاد مَكشوفة ..

marwah

سعوديون في أمريكا - مروة مكي

أصبح العالم أكثر تعقيداً. لم يعد العالم بحاجة إلى سطحيات. لم تعد تُستخدم الأسلحة القديمة للحروب الحديثة. كذلك هي مواجهة البشرية للعالم بما يحتويه ، فيوماً عن يوم تزداد وتتقدم عناصره وقضاياه. لذلك ، نحن بحاجة إلى " سلاح حديث" ! هذا السلاح هو منهج تفكير مُختلف يبتعد عن السطحية و يتواكب مع العالم الحديث. وإلا .. سوف نظل في خانة المجهولين .. ولربما الجاهلين. مواجهة تلك العناصر والقضايا لا تحدث إلا عن طريق التواصل مع الحدث بصورة تحليلية ملائمة تحمل غرض تكوين القدرة على استيعاب ما يجري بالحدث بشكل أعمق لمواجهته و التعامل معه بأسلوب فعال.

 

في إحدى محاضرات الجامعة، كان الدكتور قد طلب مِن الطلاب التسجيل بِموقع لأداء الواجبات والمهمات ، وكان الموقع يتطلب دفع مبلغ للتسجيل . البعض لم يُسجِل . الدكتور سأل : " إذاً لماذا القائمين على هذا الموقع يبذلون جهد في تصميمه ؟" أجاب أحد الطلاب : ( لجني المال !) ... هنا الطالب بدأ بتطبيق نظرية الدرامتزم Dramatism Theory التي تتبع منهج البِـنتـاد ( Pentad ) هذه النظرية المقترح إتباع منهجها للتواصل النموذجي مع ما يجري حولنا.

كينيث بِرك Kenneth Burke هو مؤسس نظرية الدرامتزم التي تعتمد على تحليل البِـنتـاد " pentad". البِـنتـاد هو تحليل شمولي لما هو خلف الظاهر. ما يميزه هو أنه بالرغم من بساطته فهو يبتعد كل البعد عن السطيحة. لنكون أكثر دقة.. فهو يرتكز على تحليل (المخفي وليس الظاهر). ويستخدم في تحليل فعل، قول، ظاهرة، مشكلة، حدث، أو أي قضية وأياً كان نوعها؛ علمي، نفسي، سياسي، أدبي، إعلامي …الخ. والغرض منه هو فهم واستيعاب التواصل التفاعلي الاجتماعي البشري والغير بشري، ووضع حلول نموذجية لأي مشكلة ناتجة.

سبب تسميته بـالـ (Pentad) هو اعتماده على (خمسة) عناصِر:
(ماذا؟ من؟ كيف؟ أين ومتى؟ لماذا؟ )

إذاً كيف تعمل هذه العناصر الخمسة؟
- ماذا: هو الحدث ؟ أيا كان نوعه
- من : من هو فاعل الحدث؟
- متى وأين : مكان وزمانه؟
- كيف : طريقة حدوث الحدث؟ ( حسي/ معنوي/جسدي … الخ)
- لماذا: غرض (الفاعل) من عرضه (غرض المفعول)؟

مثال للتوضيح بـأبسط صورة ممكِنة:
(أُم روت قصة لأبنها قبل النوم. فنام)
الحدث: أم تقرأ قصة لأبنها قبل النوم… وليس الحدث هو القراءة.
الفاعل : الأم .
كيفية حدوث الفعل: عن طريق القراءة.
متى : قبل النوم.
الغرض: هو غرض الفاعل (الأم)، وهو تهيئة طُقوس نوم لكي ينام طِفلها بسهولة. لكن يجب أن نعي أيضاً أن تحقيق غرض نوم الطفل يتبعه غرض اخر. أياَ كان نوعه، كـ أداء الأم للمهمات المنزلية.
الطفل يستمع للقصة جاهلاً غرض الأم الأساسي مِن رواية القصة. وهنا تنطبق بساطة هذا المثال على الأحداث الحياتية الأكثر تعقيداً.

نظرية سهلة جداً ؟؟ لا... وليست بالمعقدة! إنما هي (بـسيـطـة). وهذا هو "السهل الممتنع" فالبساطة لا تعني السهولة. المثال السابق (الأم والطفل) هو فقط لإيصال فكرة التحليل بسلاسة. فـ البِـنتـاد يمكن أن يُطبق على معادلة كيميائية فيصبح الفاعل هو ثاني أكسيد الكربون. أو يُمكن يُطبق على مفاعلة حيوية ويصبح الفاعل هو الكبد! لا أريد الدخول بتشابك علمي بحتي، أردت فقط توضيح وتأكيد شمولية البِـنتـاد وليس تعقيده.

ومن منطلق هذه الشمولية، يستخدم البِـنتـاد أيضاً (وبالغالب) للتحليلات اللغوية. وهو من أمتع وأسلس توجهات استخدام البِـنتـاد بالنسبة لي . من المهم جداً عند القراءة أن تقرأ الأسطر، ولكن الأهم أن تقرأ أيضاً ما بين وخلف الأسطر، بمعنى الفراغات والشقوقات التي تؤدي بك إلى غرض الكاتب. فدائماً هنالك غرض خلف المكتوب ، الكلمات المعطاة بحد ذاتها لا تخبرك عن كل شيء ولكن ربما تفتح لك الطريق لاستكشاف ما هو محجوب.
تطرق الكاتب علي حرب في كتابه " هكذا اقرأ ما بعد التفكيك" إلى منحنى يمس مفهوم البِـنتـاد ، تحت مسمى "نقد النص". يقول علي حرب بأن " القراءة النقدية المثمرة: إنها تُخضِع النص للسبر والرصد أو للتشريح والتفكيك، لاستكشاف أبعاده أو لتعرية مسبقاته أو لزحزحة مشكلاته أو لفضح ألاعيبه أو لتفكيك بنيته".
إذاً الكلمات وتكوين الأسطر هي تحت سيطرة الكاتب، ولكن ما بين الكلمات يخرج عن سيطرة الكاتب ، هنا تأتي مهمة سيطرة القارئ و دوره باستخدامه لـ نموذجية الفهم والرؤية. وهنا يتم تطبيق عنصر من أهم عناصر نظرية البِـنتـاد وهو " الغرض". استيعاب الغرض المكبوت من الغرض المكشوف.

يقول ويليام جيمس في فلسفته البراغماتية بأنه "لا يمكن التوصل إلى معاني الأفكار، ومن ثم لا يجب تفسيرها، إلا بالنظر إلى النتائج المترتبة عليها ". اليوم عندما تشاهد أي تصرف شخصي، أي حركة سياسية، أو طربة إعلامية. فكر بها بصورة أكثر عمقاً، لا تكن الطفل الذي تروي له والدته قصة! عندما تستمع لخبر، ابدأ بالتفكير بما هو خلف الخبر، بما "يفلت" بين الكلمات والأسطر. لا تستمع ولا تقرأ فقط لـ كلمات، وإنما لـ أفكار ونيات.
دائماً تذكر! أن خلف كل حدث ظاهر حدث محجوب. وأن خلف كل غرض ظاهر، غرض مكبوت. ليس كل ما نرى، نسمع، نقرأ، أو حتى نقول يُفسر كما هو ظاهر.
ببساطة .. العالم لا يحتاج للطالب الذي سوف يجيب على سؤال الدكتور بـــ (لكي ندرس!)

موعد نزول الرواتب

تم ايداع المخصصات

تسجيل الدخول