و انتهاء "ستيكر" السيارة. و المشكلة ان "خوينا" أبو عيسى، مقطوع عنه الصرف من 4 شهور، لأنه تجاوز فترة ال18 شهر و ما أستطاع أن يحقق درجة تؤهله دخول الجامعة. و المشكلة الثانية، أبو عيسى "توه" خاطب بنت الحلال، و أجّل زواجه لبعد ما يرجع الصرف عليه. أبو عيسى أفطر مع "خويه حمديز" بيض ب"الطماط" وشرب "كوب حليب"، لعل الله يفرجها مثل ما فرج غيرها.

أبو عيسى شاب عمره 26 سنة، و ترك وظيفته في التعليم من أجل البعثة للحصول على درجة الماجستير في علوم الحاسب. أعلى ما حصل عليه في أختبار التوفل هو 64، وهذه الدرجة لا تؤهله لدخول الجامعة. حاول مع مشرفه "بشير" بإتصالاته، بخطاباته، بواسطاته، بإيميلاته، بسفره لمدة 24 ساعة برا من المدينة التي يدرس بها الى موقع الملحقية في واشنطن، فقط ليقنع مسؤولي الملحقية بجديته في الدراسة، لكن المشرف "بشير" أخبره "لا يا زول، انت راجل مفصول من البعثة، و اذا تبغى ترجع البعثة، لازم تدرس على حسابك، و من ثم تزودنا بقبول "نهائي" في الجامعة، و بعدين ترجع لك البعثة"!

بعد هذه الكلمات، أظلمت الدنيا بوجه أبو عيسى. من سيسدد مصاريف المعهد الذي يكلف ٢٣ ألف ريال في "السمستر"؟إيجار الشقة؟ مصاريف السيارة؟ مخالفة " الطماط"؟ فاتورة الجوال؟ الاكل؟ الشرب؟ أسئله دارت في رأس أبو عيسى و ما لقى لها جواب، إلا الرجوع للوطن و البحث عن وظيفة في التعليم من جديد، كما أشار عليه أغلب أصدقائه.

أبو عيسى مشهور عنه بالمدينة، أنه دائما يسهر مع "الشباب"، حيث يستحيل ان يقضي ليلة من دون "الفرفشة مع العيال"، للعب "البلوت" او "الزهرة" او "البلايستيشن". لكن ما إن حس أن مستقبله في خطر، انعزل عن أصحابه، و أقفل " الجوال" و " الوتساب"، لكي يفكر جديا في أفضل حل للخروج من مصيبته. ذهب لمشرفته في المعهد طالبا النصيحة، و ايضا قصد بعض من يثق بهم من الطلبة السعوديين لمشاورتهم في حل المشكلة. طبعا حاول أخذ مشورة مشرفه في الملحقية، لكن المشرف لديه مئات الطلبة غيره، فلم يستطع التحدث معه عبر الهاتف. لكن أبو عيسى قرر أن ينهي حياة الإستهتار و اللامبالاة، بعد ان وضع خطة "جهنمية" و استراتيجية لحل المشكلة. و هذه الخطه تتطلب ورقة و قلم. فأخذ الورقة و القلم، و كتب في "وجه" الورقة أخطائه التي ارتكبها، و في "ظهر" الورقة، كيف سيكون "أبو عيسى المستقبلي"!    

أخيرا،  وجد أبو عيسى حل لمصاريفه. أبو عيسى دعى "العيال" عنده بالشقة، و قال لهم: "أبغى أسوي جمعية". فاشترك معه كثير من الطلبة المبتعثين، و استطاع أن يسدد مصاريفه، و بدأ الدراسة في المعهد من جديد. اجتهد أبوعيسى، حتى حصل على 84 درجة في "التوفل"، و هي أعلى درجة حصل عليها بعد عدة محاولات. لكن الجامعة تطلب 89 درجة في التوفل كحد أدنى. فكانت المفاجأة أن إدارة الجامعة وافقت أن تمنحه الفرصة لما لمست إصراره و عزيمته في دخول الجامعة. فأعطته الجامعة قبولها "النهائي"، فأرسل القبول للملحقية، و تم إعادة الصرف لأبوعيسى من جديد، و تم تسديد "مخالفة الطماط" بنجاح. 

أبو عيسى هو مثال لكثير من المبتعثين، رغم الصعوبات، رغم الفشل في بعض الاحيان، لكنهم دائما ما يحاولون للوصول لأهدافهم. رغم المصيبة التي "بلى" نفسه فيها، الا أنه اعترف بأخطائه و عزم على التغيير. و ايضا رغم المشاكل الدراسية و المادية، لكنه عضو فعّال و مؤسس لأول نادي سعودي في جامعته. أبو عيسى أقنع السني و الشيعي، البدوي و الحضري، و كل من هو "سعودي"،  للتطوع في أول مشاركة سعودية في الجامعة، و هي "العرضة السعودية" في حفل الجامعة للطلبة الاجانب. ها هو رغم صعوباته المادية، إلا أنه حاضرٌ ليمد يد العون لكل طالب و بالأخص المستجدين منهم. أبو عيسى لم يلبس يوما "قميص بولو"،  ولا أظنه يعرف ما هي ماركة "بولو"، لكنه دخل الجامعة، فعاد الصرف عليه ليسير في تحقيق حلمه و هو التخرج بدرجة الدكتوراه بعد الإنتهاء من الماجستير، ليرجع إلى أرض الوطن و يشارك في عجلة التنمية.

لم أكتب للمديح في أبو عيسى، لكن لأوضح لجميع إخواني المبتعثين الذين يواجهون صعوبة في البعثة، أن الأمل لا يزال موجود ما دام الطموح موجود. وأيضا، أريد أن أقول للمشككين في المبتعثين، أن أبو عيسى و كثير غيره، لم يلبسوا أبدا "قميص بولو" و لا "جزمة ميلانو"، لكن هدفهم التعلم و الحصول على الشهادات العليا و من ثم  الرجوع لأرض الوطن.

فكل التوفيق لأبو عيسى و كل المبتعثين في دراستهم.