بقلم: عبداللطيف السماعيل
لو كان الأمر بيدي لجعلت الابتعاث متاحاً لكل من مازالت لديه الرغبة في الدراسة، فهو – إن أحسنّا استثماره – فرصة لإعادة بناء الذات، وليخرج المبتعث بشخصية أفضل ومسؤولية أكبر ونتاج أنفع وأغزر. ولهذا أرسل من خلال هذه المقالة ست عشرة رسالة إلى المبتعث:
1 – الخروج من وطنك إلى الغربة لا يعني الانسلاخ عن عقيدتك ومبادئك وقيمك، بل يهدف إلى استشعارها وتعزيزها.. يهدف إلى تعديل المفاهيم المغلوطة والعادات الخاطئة، وتقييم المواقف وتقويمها.
2 – السفر غربة، والغربة خلوة، والخلوة فرصة عظيمة لأن يكتشف الإنسان نفسه، ولأن ينظر للحياة من منظور مختلف، وبشكل أوسع.. السفر يسفر لك عنك وعن مجتمعك وعن مجتمع تسافر إليه.. بالسفر يستنير فكرك ويزداد وعيك ويتضح هدفك ويقل تذمرك ويقوَّم ميزانك وفهمك للأمور. وبهذا تعرف وزنك وتعزز من قيمتك وقيمك.
3 – سيُنظر لبلدك على أنها أنت، وهذه مسؤولية.. وقد يُنظر للإسلام على أنه أنت، وهذه مسؤولية أكبر.. استشعرها واجعل منها حجة لك بعون الله لا عليك.
4 – لا تسمح لنفسك بأن تبدو ساذجاً أو غير مهذب، ولا تحرم نفسك من نعمة الاكتشاف والمعرفة.. اقرأ عن البلد وتعرف على عادات أهله وأفكارهم.. رافقهم وخالط مجتمعاتهم. وبهذا ستخرج لهم بصورة أجمل ولنا بشخصية أنضج وأنفع.
5 – التعليم والدراسة في الغربة ليس بنزهة، هو جهاد عظيم، فجاهد نفسك والتزم.. تعلم أكثر مما يجب، وادرس أكثر مما ينبغي.. الابتعاث يمنحك فرصة ثمينة لتتفرغ للعلم ولتكسر كل الحواجز والمعوقات.. هو نعمة عظيمة لا تتوفر لكل أحد، وقد لا تتوفر لك مجدداً.
6 – خطط ثم خطط ثم نفذ.. احسب خطواتك قبل أن تخطوها.. لا تترك أمورك للصدفة والظروف، ولا تستسلم لمصطلحات مثل «بروح هناك واشوف». خطوات الابتعاث في مجملها معروفة وفترته محدودة وأيامه معدودة.
اعلم أن لكل مرحلة من مراحل الابتعاث موعداً نهائياً «deadline»، وأن كل موعد هو موعد ملزم ومحترم، تفويته يعطل بعثتك وقد يلغيها.
7 – قبل أن تسافر؛ اعرف ماذا تريد أن تدرس «ما هي اهتماماتك، قدراتك، رغباتك؟ ماذا يمكنك أن تقدم؟ وماذا يريد مجتمعك منك؟»، وأين ستدرس؟ «ما هي الدولة، المدينة، الجامعة، المجال، التخصص؟ ومن هو المشرف؟ ولماذا هو؟»، كيف ستدرس «ما هي الإجراءات المتبعة والمطلوبة من تسلم وثيقة التخرج أخيراً إلى تعبئة نموذج تأشيرة السفر أولاً؟».. الدورات في هذا كثيرة، والتجارب أكثر، والإنترنت بالمعلومات يزخر.. اعلم أن التفاصيل قد تتغير، إلا أن الخطوط العريضة ستكون واضحة ومرسومة.
8 – في تعلم اللغة، اعلم أن الممارسة هي الأساس.. استمع ثم استمع ثم تكلم.. اقرأ ثم اقرأ ثم اكتب!
9 – راجع «بريدك الإلكتروني» بشكل يومي، وتعامل مع قائمة البريد وكأنها مكالمات ضرورية لم يتم الرد عليها.. اعلم أن مستقبلك الدراسي قد يتوقف على «بريد إلكتروني» ترسله أو تستقبله.
10 – تعرف جيداً على الطلبة السعوديين والخليجيين والعرب والمسلمين، صاحبهم ولا تلازمهم. فصحبتهم عزوة في الغُربة وملازمتهم انحراف عن الهدف.. سدد في هذه العلاقات وقارب.. خالط الطلاب من مناطق المملكة المختلفة، فهذا مجال رحب للتقارب والتعارف بين أبناء الوطن الواحد قد لا يتاح في أرض الوطن.
11 – اسعَ لأن تعطي أكثر من أن تأخذ، فالابتعاث فرصة عظيمة لتقديم العون والمساعدة ونيل الأجر والمثوبة، وإظهار الصورة المشرقة للمسلم المعطاء.. تذكر أن الدين المعاملة، وأن هداية الناس غاية، وأن خير الناس أنفعهم للناس.
12 – «ما خلصت! ما فعلت؟ ما تركت؟» صم أذنيك عن الانتقادات والتساؤلات الاستنكارية من هذا النوع وتجاهلها.. هم لا يعرفون طبيعة الوضع وحقيقة ما تواجه، ومن عرف منهم فسيغلق فمه قبل أن تصم أذنيك!
13 – إياك ومقارنة وضعك بغيرك، فإنها لقاصمة للظهر مثبطة للهمة.. كن مسؤولاً.. اجتهد في العمل والتزم فيه. اخلص النية، وابذل الأسباب.. واعلم أن لكلِ أحد ظروفه وإمكانياته، وأن أفضلية الآخرين عليك في فن معين لا تعني أفضليتهم في كل فن.. تذكر أن الخيرة دائماً فيما يختار الله.. وانظر إلى النجاحات نظرة تأسٍ لا نظرة مقارنة.
14 – خض التجربة بنفسك ولا تعتمد على تجارب الآخرين. فجامعة ترفضهم قد تقبلك، وتخصص يصعب عليهم قد يروق لك.. اعلم أن هناك فرقاً بين التعلم من أخطاء الآخرين والاكتفاء بتجاربهم.
15 – «ابتعثوه يعقل» جريمة كجريمة «زوجوه يعقل»، فإن كان ابتعاثك تجربة حظ أو تسلية، فارجع.. الابتعاث حق لك، ولكنه أمانة ومسؤولية عليك. هو خسارة وقت ومال وطاقة بشرية تنتظر عوائد تغطيها.. هو فرصة ذهبية حُرم منها من هو أهل لها، وحظيت بها كونك أكثر أهلية منه، فلا بد أن تكون كذلك!
16 – ستسمع من النصائح ما يغطي عين الشمس.. استمع لهذه النصائح جيدا. اسأل من سبقوك واستفد من تجاربهم، ولكن لا تتخذها كقواعد. فكلٌ يتكلم بحسب مرئياته وتجاربه.. مرئياتك وتجاربك ستكون مختلفة.. وفقك الله.

المصدر/https://www.alsharq.net.sa/2016/09/07/1579493