مسابقة رمضان

 

سعوديون في أمريكا- علي مدرس (المسابقة الرمضانية- فئة المقالات-15)

 

منذ بدء الخليقة والإنسان يستأنس أنواعاً من الحيوانات والنباتات، لمنفعته واستمرار حياته، فتولدت سلالات من هذه المخلوقات لا تستطيع العيش من دون الرعاية البشرية وتخلت عن الملكات الطبيعية التي وهبها الله في البقاء، ولكن هل اكتفى الإنسان بأن يستأنس هذه الكائنات العجماء لخدمته فقط؟ يبدو أن الإجابة معروفة وواضحة، فطمع الإنسان لا حدود له، وطمعه جعله يستأنس حتى البشر، ليظهر لدينا نوع جديد من السلالة البشرية لا تستطيع العيش والبقاء إلا في ظل مؤسسات ترعاهم وتطعمهم بالقدر الذي يجعلهم قادرين على خدمتها، ليتخلصوا طوعاً عن المواهب والملكات التي حباهم بها الله للإعمار واستخلاف الأرض

.

من أشهر أنظمة الاستئناس هما نظاما التعليم والتوظيف، وحينما نأخذ نظام التعليم أولاً نرى كيف تتم برمجة العقول لتخضع لعملية الاستئناس عن طريق التعليم، فنجد أن الطلاب
في الـ12 عاماً الأولى يتلقون تعليماً موحداً يعتمد على التلقين ولا يراعي الفروقات العقلية الطبيعية التي ميز الله البشر بعضهم عن بعض بها، فنجد أن التقويم يتم على أساس هذا النظام المقولب الموحد ليتم تصنيف الطلاب ما بين متفوق ذكي وفاشل غبي، وهنا تتم عملية الفرز الأولية، مثلما يتم فرز الحيوانات بناءً على معايير محددة سلفاً، وغالباً ما تكون جائرة. ولذلك لا يستغرب تفوق الطلبة الذين صنفوا كفاشلين في هذا النظام وتخلصوا من قيود الاستئناس وأصبحوا من الأثرياء والعباقرة والمبدعين، بينما نجد الطلاب(المتفوقين) في وظائف مجهزة لهم بدخل محدود حتى نهاية العمر. امتداداً للتعليم يأتي نظام الاستئناسالثاني، وهو التوظيف. التوظيف هو المرحلة التي يتم بها وضع الكائن المستأنس (الطالب المتفوق) في وظائف مقولبة ومتعددة الدرجات ليصبح التدرج هو غاية الطموح الذي يسعى إليه هذا الكائن الذي ما إن يصل إلى قمته حت تتوقف مسيرته بالتقاعد وفي الغالب قد لا يصل. خلال هذه المسيرة في الوظيفة يطعم ويسكن هذا الكائن المستأنس ليبقى على ولائه لهذه المؤسسات التي ترعاه، ليحقق لها المزيدمن الإشباع. وإن حصل وتمرد هذا الكائن في حال نادرة تحركت فيها بعض الجينات الموروثة بداخله من أجيال غابرة لينتابه شعور مبهم لشيء قديم يزيح عنه هذه الأغلال ليعود لحريته، إلا ويجد آلاف الأصوات المستهجنة لسلوكه والمحذرة من مغبة فعلته لثنيه عن قراره، وغالباً ما تنجح هذه الأصوات في طرد الأفكار الاستقلالية من هذا الكائن الذي حن إلى إنسانيته القديمة ولفطرته ذات المواهب الإبداعية.  نعم، هذه هي حالنا اليوم. نحن كائنات تشبه في الشكل الإنسان الأول، لكننا بعيدون كل البعد عن كينونته وعن الهدف الذي خُلق من أجله. نحن اليوم مستأنسون تعليمياً ومهنياً ودينياً وسياسياً…، وستظل هذه حالنا ما لم ننقب عن جيناتنا البائدة، لنجعلها تسيطر على قراراتنا وأفكارنا
لنعود بشراً كما خلقنا الله أو مرة أحراراً لا نخضع إلا لإرادته