•   info@saudiusa.com
أوراق متساقطة الجزء الثاني
( 0 Votes ) 
30 تشرين1 2015

أوراق متساقطة الجزء الثاني

بقلم: سليمان منصور عكيري

تحرير: آلاء الغانم

 

أوراق متساقطة الجزء الأول

https://www.saudiusa.com/ar/sinusa-articles/1/12599

 

الشخصية الرابعة فتاة سورية الأب، لبنانية الأم في العشرين من عمرها، إلتقيتها في الحديقة المجاورة للساحة العامة وسط المدينة، شخصيتها غامضة و غريبة لاحظت جلوسها في الحديقة وتأملها طويلاً لبعض الاشياء. أخذت جولة مصغرة للحديقة وفي تلك اللحظات شممتُ رائحة المطر ونظرت الى السماء فإذا بسحابة سوداء قد استقرت في منتصف السماء وكأنها الحزنُ بعيني صغير قد فقد أمه والدمع سيجري لا محالة.

 

لاحظت الناس قد بدأوا بالإتجاه إلى البوابة الرئيسية للحديقة وسرعان ما تحول المنظر إلى إزدحام حول البوابة والكل بدأ بفتح مظلته، تعود الناس على إختلاف المناخ هناك، فلقد إعتادوا أن يحملوا مظلاتهم معهم في حقائبهم اليدوية. أنا ولكوني أعيش في بلد ذا مناخ صيفي معظم العام فلم أعتد حمل المظلة. تلك الأثناء وحين خروجي من الحديقة لاحظت نفس الفتاة وهي تتظلل من المطر وأنا شبه مبتل ف إقتربت مني قائلةً: "المطر قد بلل ملابسك وأنا لدي مظلة تحجب عنا المطر نحن الإثنين". و توجهنا وقتها إلى نفس المقهى الذي قابلت فيه الشاب الليبي وطلبنا كوبين من القهوة التركية الساخنة لتدفئة أجسادنا من برودة الجو.

 

بدأنا الحديث فسألتني عن مظلتي فأخبرتها أني هنا لأيام وسأغادر ذلك المكان، في تلك اللحظات أحسستُ أن بخاطرها ما تريد قوله، فبدأت أنا وأخبرتها قصة لكي تشعر بالثقة وتبادلني ذات الثقة. تعجبت من ثقتي بها كثيراً فقلتُ لها أنا قدمت إلى هنا لمدة بسيطة من الزمن و أنتِ أظليتيني بمظلتك الجميلة وأنا أعطيتك الثقة رداً لجميلك وحسن ما صنعتي. حينها أخذت نفساً عميقاً ثم قالت " الحزن قد إستوطن ذاتي "، حينها شرد فكري بعيداً و سافرت من نافذة خيالي متفكراً في أنفاسها البريئة ولمحات الحزن عليها. وبدأت تسرد لي قصتها الجميلة بقولها " أنا فعلاً أحببته ولكن العادات غيرت مجرى حياتنا"، أخبرتني أنها كانت تحب إبن الجيران الذي بادلها نفس الحب وأكثر، وحينما وصلنا لمرحلة قد إشتد فيها الحب أجبرته عائلته أن يتزوج من إبنة عمه التي كان يعتبرها إحدى اخواته. حينها نزلت دمعات حب صادقة و في لحظات تغير جونا وكأن فصل الشتاء دخل وتجمد كل شيء فينا، عندما رأيت ذلك الجمال الرباني قد كساه الحزن وأنا ما بين لحظة وأخرى أردد في خلدي " ليتني لم أسألها "، تجمد تفكيرها و سافرت به بحثاً عن ملامحه التي غابت عنها أكثر من عام، لحظة صمت بعدها وبكل ثقة قالت أنا لم أبلغ الثلاثين ولكني تعلمت دروساً أعطتني القليل من الخبرة في حياتي.

 

ثم سألتها وماذا بعد الحب والتجربة السابقة مع الحب الراحل؟ قالت: الحياة مدرسة ولكن بطريقة عكسية، فتمر في حياتنا مواقف كالإختبارات ونتعلم الدروس عكس المدرسة تماماً. من جهة أخرى في السابق فكل شخص يبتسم لي فهو صديق ودوود و شخص مثالي، أما الآن فلا تهمني مظاهر الناس فدواخلهم جداً مختلفة مهما كانت مظاهرهم جذابة فالبعض يسقيك السم في العسل. كانت نصائح نابعة من قلب التجربة، من شخص عرضته الحياة لبعض المواقف التي غيرت نظرته كلياً للحياة؛ افترقنا بعدها و لكن قبل ان ترحل عني أخبرتني عن درس الثقة الذي تعلمته. قالت" يجب علي ألا أثق بأي شخص إلا بعد أن أعرف ماذا بداخله فالأشكال دائماً تخدعنا". هنا علمت حينها أنها تأثرت كثيراً بفراق الشخص الذي أبعدته الظروف القاسية عنها. افترقنا ولم أنساها وأنسى موقفها وحزنها الذي رأيت.


الشخصية الخامسة سائق التاكسي الذي يبلغ من العمر ثمانية وثلاثين عاماً، بريطاني من أصول مغربية كان يقوم بتوصيلي كلما إتصلت عليه فلقد أعطاني صديقي الذي قدمت من أجله رقم هاتفه لأتصل به حينما يكون هو في الجامعة، في أول لقاء لنا كان شخصأ ذو طابع رسمي ولكن بعد ذلك أصبحت شبه صديق فكلما ألتقيه أجده يعاملني بطريقة مختلفة وأفضل من السابق. أجبرته الحياة بظروفها الصعبة للإنتقال إلى بريطانيا قبل 13 عاماً بحثاً عن مصدر رزقٍ له ليكوّن نفسه ويحيى بالمستوى المعيشي الذي يتمناه. لم تكن له أحلام كبيرة كإمتلاك أراض وقصور وسيارات وطائرات، بل كان قنوعاً راضياً بما قسمه الله له. وجدت فيه الصبر و طيبة النفس ووجدته من أكثر الناس مواجهة للحياة بمختلف ظروفها الصعبة، فطبيعة عمله تجمعه بمختلف فئات المجتمع. في ليلة من تلك الليالي الخريفية الرائعة أخبرني عن حياته وعن طفليه وأمهما، أنهم أغلى ما يملك وإن كل عمل يقوم به هو من أجل توفير حياة كريمة لهم.

 

تحدث عن التغلب على اللحظات الصعبة التي واجهها، عن موقفٍ صعب من سجل حياته، حيث إنه في يوم من الأيام وهو مع أسرته بتجولون في سوق المدينة حينها طفله الأصغر أعجبته لعبة ولكن سعرها باهظ الثمن، ولم تكن له المقدرة حينها على شرائها، قال: "لقد رأيت الحزن داهم ملامحه؟!" أكمل كلامه وقال بعد ذلك عملت لساعات أطول وبدأت أتجول من مكان لآخر لكسب مبلغ أكبر من المال، ولكي أتجنب بعض المواقف الصعبة كالتي مررت بها، أحسست حينها أن صاحب التاكسي له هدف من ذكر قصته لي وأيقنت أن الرسالة وصلت لي بمعناها الجوهري. ودعته حينها على أمل اللقاء به باكرا لتوصيلي إلى المطار، ها قد أتممت عشرة ليال خريفية، لم يكن بخاطري أن تمر بي ليالٍ كتلك الليالي من جمال روعتها، رجعت إلى منزل صديقي وأنا أتفكر في حالي وفي المواقف التي مرت بي، كان شعور رائع وإحساس لا يوصف.

 

دخلت إلى الغرفة وأخذت وضع النوم وبدأ التفكير في ما مضى، بدأت أسترجع ذكريات و لحظات و مواقف مرت بي سريعا وبقيت في الخاطر، استرجعت تلك الشخصيات الخمس وبدأت أتفكر فهي ليست بشخصيات بل كانت رسائل واضحة المعني و سهلة الفهم. كل موقف منها مر بي لم يكن إلا درس وخبرة جديدة. عدت إلى أرض الوطن حاملاً حقائبي بيدي و جامعاً لتلك الدروس، وصداها ما زال ولا يزال يجول في الخاطر كل الأوقات. 

قسم التحرير

محتوى هذه المقالة لا تمثل رأي صفحة سعوديون في أمريكا او فريق عملها وانما تمثل رأي كاتبها

- Twitter - Facebook
قسم التحرير

موعد نزول الرواتب

تم ايداع المخصصات

تسجيل الدخول